«يتيم من غرفة الولادة » الحلقة التاسعة


 

 

نشأ المولود الجديد زاهد بين يدي أمه وأبيه مكرما مدللا وأمه مهتمة بتربيته تشتري له المزيد من لعب الأطفال والملابس وهو ينمو ويلعب ويحبو حتى فوجئت أمه ريم بالحمل مرة ثانية.

بعد تسعة شهور مرت على ريم شهورا طويلة وعلى زهير شهورا سريعة جاءت مولودة اتفقا على تسميتها زهراء فرح بها زهير كثيرًا ونسي ابنه علي الذي بلغ الخامسة وعدة أشهر من عمره وقرب انضمامه إلى صفوف الدراسة.
قالت له أمه أخوك محمد يقول ابنك علي بلغ السادسة ويحتاج لتسجيله في المدرسة.
السبت سأذهب برفقته لتسجيله.

لا تنس يا ولدي فابن أختك سجله والده قبل أسبوع.
ذهب مضطرًا لتسجيله في المدرسة وعلي يعرف أن الذي يصطحبه والده لكنه لا يعلم لِمْ الصمت؟ لم لا يتحدث معه؟ لم لم يسأله عن حاله وعن حياته وحاجياته؟ لم هذه القطيعة والجفاء.

لم هذه القسوة وهذا الحرمان وهذا الغياب؟!.
هل هذه معاملة الآباء لأبنائهم؟.
هل كل الأطفال يعاملون كما يعاملني أبي؟.

انضم عليٌّ إلى صفوف الدراسة وجدته قد تجاوزت السبعين من عمرها وبدأ المرض يتمكن منها ولا تعلم بعد انقضاء عمرها من سيكُملِ المشوار مع ابنها الذي تعلقت به كثيرًا.

هل سيبقى وحده في بيت جده القديم دون أم ودون أب؟ أو سيأخذه عمه محمد؟ أم سيتيه في الشوارع؟.

سامحك الله يا زهير أنا خائفة عليك من يوم يفعله فيك القدر كما فعلته بهذا اليتيم!!.

آه عليك يا ولدي الدنيا دوارة وكما تدين تدان، اليوم لكَ وعشرةُ عليكَ!.

تركت ابنك في حياة مليئة بالذئاب وكأنها غابة يستغل فيها القوي الضعيف.
تخليت عن طفل صغير وانشغلت عنه يا ولدي وكأنك لا تراه.

اليوم هو في أمس الحاجة إليك قد بدأ يشعر باليتم وأنا كبرت وأخاف من دنو أجلي وأنت بعيد عنه.

سامحك الله يا ولدي، كيف يتحمل قلبك هذا الحرمان والهجران؟! إن أمرك لغريب وإن كنت أمك لكن أتوقع أن يأتيك نصيبك بسبب ظلمك ولدك فأبشر!.
تمنيت لو كان قلبك كقلب أبيك لقد كان قلبه حنونا وعطوفا عليكم ولا أعلم على منَّ خرجت، وبمن اقتديت، هذا ولدك وزاهد ولدك.
آه منك ومن فعلك وقسوتك.

ستندم يوم يعود عليك الدور وتأفل شمسك ويحرقك شعاعها ولا أحد يغطي عليك، ألا تنظر ما فعله القدر بجارنا قيس حين ظلم عياله بعد وفاة زوجته؟.

إن نسيت هذا الدرس سيأتيك من يذكرك بفعلك من أبنائك ويرد عليك الصاع صاعين يا ولدي، ويوم القيامة سيكون عليك عسيرًا لقد ظلمت اليتيم.

ريم في حيرة من أمرها وضميرها يؤنبها ويعاتبها وهي تشاهد عمتها قد تمكن منها المرض وبدت لا تتمكن من القيام والحركة وتزحف على الأرض حين تطبخ وحين تغسل ملابس علي وخدمته أصبحت متعبة، ويحتاج إلى رعاية ومتابعة وتعليم.
كيف ينشأ علي يتيم الأب والأم ووالده يشم الهواء.

كيف يتربى بعيدًا عن عينه وعن بيته وعن إخوته وكأنه عدو يطرده ويتبرأ منه.. آه منك يا زهير إنه لأمر عظيم أن تطرده وتتركه مع جدته.
انظر لأبنائك يا زهير وهم يلعبون ويأكلون ويلبسون ويتنقلون برفقتك من مكان لآخر وأنت تشتري لهم ما يطلبون وتوفر لهم ما يلعبون ويمرحون، حرام عليك، كيف تميز بينهم تحرم هذا وتكرم ذاك.

صحيح أن (علي) ليس ولدي لكنه طفل يتيم!! فقد أمه لابد أن أنصفه وأهتم به.

تحرك ضميرها وانتفض وجدانها وإن كان متأخرا لسنوات طويلة كان عليٌّ يعاني فيها الأمرين اليتم والحرمان والبعد عن والده وإخوته لكن هناك أمرا غريبًا خارج عن إرادتها يضربها بخنجر الوجدان والضمير في قلبها ويناديها يا ريم لقد حان حينك! أنت أمّ وتشعرين بضرورة وجود الأم للصغير.
تكفلي بعلي فأمه ماتت وأنت مكانها.

اهتمي به يا ريم لعله يكون لكِ أفضل من ولدك زاهد ويبر بك.
هذا أمانتك.. هذه مسئوليتك.

تحرك الضمير وظل يتساءل كيف أتوصل إليه ووالده يكرهه ولا يحب ذكره، وجدته لا تُفرط فيه لقد ربته وتعبت عليه وتعلقت به وهو أنيسها وولدها الوحيد.
كيف آخذه منها بعد هذا العمر وهذه العلاقة.. هل تقبل؟.

بدأ الضمير يعاتب نفسه بنفسه لا تتركيه وحده يا ريم كفى ما مضى وما ضاع من عمره.

جاء دور العقل وبدأ يخطط ويضع السيناريوهات في خلاص اليتيم.. بدأت ساعات الخلاص تلوح في الأفق لعله ينضم إلى إخوته قريبًا ويتربى مع والده ويكمل دراسته ويتفوق على زملائه.