«يتيم من غرفة الولادة » الحلقة السادسة


-اهدأ يا زهير سأتكلم الأمر لله.

نظر زهير إلى شفتي الطبيب ماذا قُلت؟؟.

-أجابه الطبيب بصوت حزين عظم الله لك الأجر.. لقد فارقت زوجتك الحياة!.

صُدم زهير في حبيبتهِ وأخذ نفسًا عميقًا.. انهارت أعصابه.

قام له الطبيب على الفور أسنده وقدم له القليل من الماء وبدأ يهدئه.. اهدأ يا زهير.. هذا أمر الله.. وقد قضي القضاء.. وولدك بخير.

-ما سألتك عن ولدي.. آه ه ه لقد فقدت شريكتي.


-قال الطبيب اهدأ وأعطني رقم هاتف أخيك أنا سأكلمه.
استخرج زهير هاتفه الجوال وقال تحدث مع أخي محمد جاسم.
-ألو...
-نعم...
-كيف حالك؟.
-الحمد لله .. من المتحدث؟.
-معك الدكتور نزار من مستشفى سعادتك.
-نعم تفضل.
-ممكن مراجعتنا على الفور لأمر هام!.
-يخص من؟.

-سأخبرك حين وصولك وأرجو ألا تتأخر.

بعد نصف ساعة سأكون عندك.
وصل محمد إلى المستشفى واتصل بالطبيب أين آتيك؟.
غرفة المدير.

-نعم ما الأمر؟.

قام زهير واحتضن أخاه وهو يبكي لم يستطع الكلام.
-

أخي ما بك؟

-وما يبكيك؟

-وماذا حدث لك؟..

-هل تعرضت لحادث مّا؟.

-آه..

-ما يبكيك لقد أفزعتني عليك!.
-يا محمد لقد توفيت زوجة أخيك.. لقد توفيت زهراء!!.

بكى محمد مع بكاء أخيه.. كيف حدث ذلك؟.

-لا أعلم يا أخي لقد ماتت زوجتي في غرفة الولادة!!.. ولا أعلم كيف حدث ذلك!.
-اهدأ سأتصل بأخيك لكي يأتي وننهي الإجراءات.
-أخي تعال إليَّ حالاً في مستشفى سعادتك ولا تتأخر.
-ما بك تبكي؟.
-تعال حالاً!!.

تجمع الإخوة الثلاثة في ساحة المستشفى والناس تواسيهم وتصبرهم وتترحم على ميتتهم.
نقلت زهراء إلى المغتسل وغسلت وكفنت ونقلت إلى مثواها الأخير وبقي ابنها في المستشفى في غرفة العناية المركزة لتعرضه إلى ضغط في ساعة استخراجه بعملية قيصرية من بطن أمه  قبيل وفاتها.

بعد أيام كان زهير مشغولا فيها باستقبال المعزين لم يسأل فيها عن ولده ولم يزره.
سألته أمه ولدي لِمَ لمْ تذهب إلى ابنك وتأتي به لقد مرت عليه عشرة أيام.
هز زهير رأسهِ لقد كرهتهُ يا أمي!!.. لا أريدهُ ولا أحب ذكره!.

-هير ما هذا الكلام الذي اسمعه منك!!.

-مي هذا الولد القبيح كان سببًا في موتِ زوجتي ومقدمه كان شرا على حياتي ، لا أحبه!.

-هير هذا ابنك ولا دخل له في موت زوجتك هذا أمر الله يا ولدي.. تعوذ من الشيطان واذهب مع أخيك محمد وآتني به فأنا أمه يا ولدي لقد أبكيتني حرام عليك يا زهير أن تقول هذا الكلام إنني أمه وأمه ماتت شهيدة وهي حية عند الله!.

عن إمامنا الصادق  ، في خبر طويل في قصة آدم وحواء، - إلى أن قال: ﴿فقالت حواء: أسألك يا رب أن تعطيني كما أعطيت آدم، فقال الرب تعالى: إني وهبتك الحياء والرحمة والأنس، وكتبت لك من ثواب الاغتسال والولادة ما لو رأيته من الثواب الدائم والنعيم المقيم والملك الكبير لقرت عينك، يا حواء أيما امرأة ماتت في ولادتها حشرتها مع الشهداء، يا حواء أيما امرأة أخذها الطلق إلا كتبت لها أجر شهيد، فإن سلمت وولدت غفرت لها ذنوبها، ولو كانت مثل زبد البحر ورمل البر وورق الشجر، وإن ماتت صارت شهيدة، وحضرتها الملائكة عند قبض روحها وبشروها بالجنة، وتزف إلى بعلها في الآخرة، وتفضل على الحور العين بسبعين، فقالت حواء : حسبي ما أعطيت .

نكس زهير رأسه وأخذا نفسًا عميقًا وتذكر زوجته وموتها وقال خيرًا.

والدته صُدمت بما سمعته وأخبرت أخاه (محمد) بما قاله وما جرى بينها وبين أخيه زهير وهي تبكي وتتأفف خائفة منه على الرضيع. 

رد عليها محمد بالقول : تحمليه يا أمي فابنك يحب زوجته وهو في حالة الصدمة ولا يعلم ما يقوله!.

-ا يا ولدي أنا خائفة من أخيك.. خائفة على الصغير.. أنا أمه وأعرفه.. أرجو أن ترافقه وتأني بولدي لا يذهب أخوك وحده أرجوك!!.
-مرك يا أمي سأنسق معه يوم غدٍ.

-لا ليس يوم غدٍ الآن تتصل بأخيك وتطلب منه إحضار ابني اليوم ليكون عندي وليس غدًا!.

استخرج محمد هاتفه الجوال وكلم أخاه (زهير) قائلاً: أخي أريد أن أراك الآن لأمر خاص.

-خيرًا أخي ما الأمر؟.

-سنذهب أنا وإياك للمستشفى لإحضار ابنك علي.
-أنا سأذهب بمفردي بعد قليل لإحضاره.
-أخي سأرافقك لكي أحمله عنك وأنت تقود السيارة، أين أنت الآن؟.
-أنا موجود في شقتي سأكون بانتظارك.
-وهو كذلك بعد دقائق سأكون عندكَ كُنْ على استعداد.

وصلوا المستشفى وزهير متضايق من ابنه عليٌ متمنيا له الموت بعد موت زوجته في ساعة خروجه للدنيا!!.

رفعهُ عمهُ محمد من السريرِ وقبله وشمه ثم نظر لوجه أخيه وعيناه تذرفان الدموع.. لاطفه بكلمة جميلة قائلاً: أخي انظر لابنك علي إنه يشبهك كثيرًا.
هز برأسهِ لعلهُ.

زهير قاد السيارة ومحمد حمل ابن أخيه الرضيع في حضنه وهو يتذكر رحيل أمه التي ذهبت دون أن تراه أو تحمله أو ترضعه وقد فقد حنانها ودفئها وصدرها ورعايتها..

نظر في وجهه وأدار نظره في وجه أخيه يقارن بينهما في الشبه ثم ارتخى على الرضيع يقبله وزهير متضايق منه ومن أخيه وضمير حاله يقول لا تقبله أمامي فإنني أكرهه ولا أحبه لقد قتل زوجتي!!.

بكى الصغير وكأنه يقول أين ذهبت أمي لِمَ لمْ تحملني؟

لِم لم ترضعني، هذا ليس صوتها، وهذه ليست يدها، وهذا الصدر ليس صدرها، وهذا الحليب ليس ما اعتدته طوال تسعة أشهر حين كنت في بطنها.

أين هي لم أسمع صوتها؟

ولا نبضات قلبها؟

ولم أشعر بأنفاسها؟..

أين أبي الذي تعهد بتقديم المزيد والمزيد من الحب والحنان لي؟

 أين من كان ينتظرني؟..

آه آهه.
(يتبع)