الشيعة وشرعنة الظلم !

يستاء الكثير من الناس بشتى طبقاتهم حينما تقمع حرياتهم وتُمارس عليهم أساليب الاضطهاد، وترى بيانات الشجب والاستنكار والسخط تترى رافضين تلك الانتهاكات والقيود في حرية التعبير.

تلك الحالة «أي الاستنكار» هي حالة صحية وفطرية في نفس الوقت، لأن الإنسان بذاته جُبِلَ على الحرية ورفض القمع والاضطهاد. فلو أن دولةً ما؛ قامت بغلق مؤسسات اجتماعية أو دينية؛ فإن دور المجتمع بجميع مكوناته هو الاستنكار لذلك الفعل الذي يخالف حقوق الإنسان وحريته.

وبغض النظر عن المسائل القانونية؛ من أن تلك المؤسسة مرخصة أم لا، فإن المجتمع لن يكترث لمثل هذه الأمور، خاصة وأن الدولة الفلانية لا تعطي تراخيص لمثل تلك المؤسسات أو الحسينيات - على سبيل المثال -. لذلك تبقى هذه الإشكالية لا اعتبار لها في نظر المجتمع. وستبقى مسألة الإدانة والشجب هي الحاضرة بصورة كبيرة.

وعلى سبيل المثال؛ لو قامت الدولة التي نعيش بين ظهرانيها بإغلاق جميع الحسينيات بدعوى أنها غير قانونية وتخالف قوانين الدولة؛ هل سيصمت المجتمع عن ذلك؟ وهل الناشطون الحقوقيون سيؤيدون ذلك القرار؟ وهل العمائم السوداء أو البيضاء سيغضوا النظر؟ بالطبع لا. بل المتوقع هو رفض القرار وتصعيد الأمر لأعلى درجة. بالرغم أن القرار صحيح بذاته! فهل يقول عاقل أن قرار الحكومة صحيح ويجب تطبيقه؟!

وكم سمعنا وشاهدنا الشجب والسخط لمجرد استدعاء أحد المسؤولين بالمؤسسة الفلانية من قبل الأمن واستجوابه وتوقيعه لتعهدات، والأمثلة كثيرة حول ذلك.

وللأسف الشديد أن تلك الحالة الصحية التي نجدها بالمجتمعات الشيعية على مستوى المنطقة، تكاد تختفي عندما تتعلق أخبار قمع الحريات وإغلاق المؤسسات الاجتماعية والدينية في الجمهورية الإيرانية! بل والأنكى من ذلك؛ تجد من يؤيد تلك التصرفات الرعناء ومباركاً لها! وتجد من يرفض التدخل كونه له ارتباطات مع نظامها! أو من يزعم أن الحديث حول ذلك يمزّق الوحدة الاجتماعية!

وكم هو مخجل أن ترى عمائم وحقوقيون يؤيدون النظام الإيراني في ظلمها، في حين يفترض بهم أن يكونوا مع المظلوم، وأن يقولوا كلمة الحق. مهما كان اختلافهم مع الطرف الآخر.

هذا الأمر إنما هو ازدواجية في المعايير يعيشها كثير من الشيعة، خاصة عندما يتعلق الأمر «بدولة العدل الإلهي»، وكأن حقوق الإنسان وحرية التعبير تختلف من دولة لأخرى! فإذا كان الظلم حرام في تلك الدول العربي - التي ترفض ظلمها -، فهو حرام أيضاً في إيران.

إن على الإنسان أن يدرك تماماً ما يقوم به، فمسألة الرضا والقبول بما يقوم به النظام الإيراني من قمعه للحريات وإغلاقه للمؤسسات والقنوات الدينية، إنما هي شرعنة للحكومات العربية - بشكلٍ أو بآخر - للقيام بنفس الدور. ولذلك حينما تقوم دولة عربية ما باضطهاد الشيعة فلا تلوموا إلا أنفسكم، لأنكم مهدّتم لهم الطريق بالظلم.

كما أن الأمر خلاف الورع والتقوى، فمن يقبل عمل الظالمين فهو شريك معهم في الظلم. قال الرسول الأكرم - - «من أحب عمل قومٍ أشرك في عملهم» [بحار الأنوار]. وقال الله عز وجل «وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ» [هود 113].

إن ما يقوم به النظام الإيراني من ظلم إنما هو نسخة كربونية لما تقوم به الأنظمة العربية، إلا أن الأول يتجلببُ بجلباب التشيع. لذلك على الشيعة المنخدعين بهذا النظام أن يراجعوا أنفسهم ويروا هل أن ما تقوم به هذه الدولة هو مصداق للظلم أم العدل؟! وحتى يعرفوا الإجابة؛ فقط ضعوا اسم دولةٍ أخرى مكان اسم «إيران»! وحتماً سيعوا الإجابة إن كانوا مصداقاً للآية الشريفة «وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ»[الحاقة 12].

أخيراً، نسأل الله العلي القدير أن يحفظ سماحة السيد المرجع آية الله العظمى الصادق الشيرازي «دام ظله» من كيد الأعداء وأن يسدد خطاه تحت رعاية المولى صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.