الدوانيقي والصادق بين الأمس والحاضر

منذ بدء الخليقة؛ توالت العديد من الحكومات والرئاسات التي حكمت دول العالم، وتغيرت كثيرٌ من الوجوه الحاكمة، إلا أن أولئك الحكام والرؤساء كانوا جميعهم متشابهين في الظلم والاضطهاد للشعوب المحكومة على حدٍ سواء.

ولا تجد هناك اختلافاً بينهم في الفكر المتطرف والعدائي، فكل واحدٍ منهم يكرر سيرة من يسبقه.

مرت في الأيام القليلة الماضية ذكرى شهادة الإمام جعفر الصادق - - واستمعنا جميعاً كيف أنه عانى كثيراً من التضييق والاضطهاد الشديدين من حكومة أبي جعفر المنصور الدوانيقي - لعنه الله -.

لقد مارس المنصور الدوانيقي - لعنه الله - أشد أنواع الظلم والعذاب ضد كل من يخالفه ويخالف حكومته حتى من أقرب الناس إليه. فقد قام بقتل أبو مسلم الخراساني، وهو القائد الأول للإنقلاب العباسي على الدولة الأموية، لبغضه إياه، وبالمكيدة والحيلة أرداه قتيلاً.

وفي ذات الوقت، كان الإمام الصادق - - منشغلاً في تثقيف الأمة ونشر العلوم الإسلامية، حتى قام بتأسيس جامعة أهل البيت - - والتي تجاوز عدد طلابها 4000 آلاف طالب من مختلف أقطار العالم.

ومن أهم أسباب تأسيس هذه الجامعة؛ مواجهة الأفكار المنحرفة والتيارات الإلحادية التي انتشرت في تلك الحقبة الزمنية، وكذلك ابتعاد الناس عن فكر أهل البيت ، وغيرها من الأسباب.

لم يكن هذا الأمر يعجب المنصور الدوانيقي - لعنه الله - فراح يخطط لعرقلة مشاريع الإمام الصادق - - بل إلى قتله في نهاية الأمر، وذلك بعدة اتجاهات وأساليب. فتوعية الناس وإرجاعهم لآل محمد - صلوات الله عليهم -؛ يعني أن زوال الحكم وضياعه من أيديهم وعودته إلى مستحقيه.

بتلك المشاريع النهضوية التي قام بها الإمام الصادق - - وتخرج العديد من الطلاب بمختلف العلوم من بين يديه؛ ازداد عدد الحشود التي كانت تحضر من مختلف أقطار العالم والتي تؤمن «بأعلمية» الإمام الصادق - - وبأنه إمام مفترض الطاعة، والتفافها حوله؛ دفعت حكومة الدوانيقي للحد من هذا الأمر الذي يشكل خطراً عليها.

لذلك استخدم المنصور - لعنه الله - في مخططه ضد الإمام الصادق - - ثلاثة اتجاهات رئيسية بحسب ما ذُكِرَ في كتاب «أعلام الهداية - الإمام الصادق».

في الإتجاه الأول؛ اتخذ أسلوباً مرناً للإستفادة من جهود الإمام - - واحتوائه سياسياً، من أجل تقنين وشل حركة الإمام الصادق - - النهضوية بطريقة غير مباشرة.

وفي الإتجاه الثاني؛ قام المنصور بنشر عيونه وجواسيسه لمراقبة حركة الإمام الصادق - - ورصد نشاطاته وتزويده بآخر المعلومات. حتى يجعل من تلك المعلومات دافعاً للتضييق والنيل من الإمام . وكل هذا خوفاً على كرسي الحكم من ذهابه منه.

أما في الإتجاه الثالث والآخير؛ فقد استخدم المنصور أسلوب الاستدعاءات والمقابلات المصحوبة بالتهم والإفتراءات، لإعاقة حركة الإمام الصادق - - والحؤول بينه وبين توعية الأمة الإسلامية.

كما قامت الحكومة العباسية بتسليط الضوء على بعض الشخصيات«البالونية» الموافقة لسياسة الحكومة؛ لتكون بمصاف الإمام الصادق - - في العلم والفتيا ولتكون بديلاً عنه بخداع الناس! ولذلك تجد هناك عدة مذاهب ومدارس بمسمياتهم.

هكذا يلاحظ المتتبع لسيرة الحكام الظالمين «السابقين والمعاصرين» كيف أنهم يستخدمون نفس الإتجاهات والأسلوب التي استخدمها أبو جعفر المنصور - لعنه الله - مع الإمام الصادق - - للنيل منه وإبعاده عن الأمة بغية عدم تبصرتها.

فكم عدد العيون والجواسيس المنتشرة بين أزقة وبيوتات المراجع، وكم يعاني أعلام الأمة من تضييق واضطهاد من الحكام، لا لشيء؛ سوى لأنهم ينشرون ويعلّمون الناس تعاليم أهل البيت - - بعدما راجت أفكار المنحرفين بينهم؟ وكم عدد المؤسسات والحسينيات التي أغلقت والتي ستغلق؟! كل ذلك بسبب الحقد والغيرة والخوف من سقوط الحكم، فهم على استعداد لقتل الجميع من أجل السلطة. رغم عدم وجود أحدٌ ينازعهم فيها!

ويبدو إن التاريخ يعيد نفسه بكل تفاصيله وإنْ اختلفت الشخصيات والمسميات، إلا أن الظلم هو نفسه بكل حذافيره، والخوف أن يتكرر القتل في ظل صمتٍ مطبقٍ من الجميع!

لذلك؛ علينا أن نتعلم من التاريخ جيداً وأن نقف في وجه الظالمين مهما تلبّسوا بلباس الورع والتقوى وأصبغوا على أنفسهم هالة من القداسة. فمن وصايا أمير المؤمنين علي - - «كن للظالم خصماً، وللمظلوم عوناً».

بيد أن نشير إلى أن النهضة الثقافية للإمام الصادق - - هي التي بقت، ولا يزال ذكره صلوات الله عليه باقياً ما بقي الدهر، لكن أين تجد ذكرٌ للمنصور الدوانيقي - لعنه الله - وحكومة بني العباس؟ فهل من متعظ؟!