الشيعة وثورة الإعلام المرئي

يعيشُ العالم أجمع اليوم ثورة الإعلام بشكلٍ عام وثورة الإعلام المرئي بشكلٍ خاص. حيثُ باتت الوسيلة الأولى التي تُستخدم لمخاطبة الناس ونشر الأفكار المتبناة إليهم.

وأصبحت هذه الوسيلة الإعلامية أكثر أهمية من الأسلحة النارية والفتاكة وما شابه، حيث صار بالإمكان غزو أي مجتمعٍ من خلال القنوات الفضائية وبث الأفكار والمخططات والسموم دون الحاجة لإطلاق رصاصة واحدة.

ولذلك تجد أن الغرب فطنوا لهذه النقطة وكانت لديهم يد السبق بافتتاح الآلاف من القنوات المرئية التي غزت العالم بها، وتأثر الكثير من الناس بهم وبأفكارهم المطروحة بتلك القنوات، بينما المسلمين لم يفطنوا لتلك الحرب الخفية الناعمة إلا قبل سنوات معدودة فقط.

ولأننا للأسف غالباً ما نكون أصحاب ردة الفعل عوضاً عن الفعل نفسه، أُسست وافتُتحت قنوات شيعية تحمل أفكار مدرسة أهل البيت ونشر علومهم بعد سقوط النظام البعثي في العراق، والذي كان له - أي السقوط - دوراً كبيراً في افتتاح وانتشار الكثير من القنوات الفضائية الشيعية في عالم الفضاء وصلت حسب تقصي قاصر إلى أكثر من 60 قناة حتى اللحظة.

إن هذه القنوات الشيعية وعددها مقارنةً بعدد قنوات العالم الآخر قليلة جداً ولا تمثل 2٪ حسب تصوري، خصوصاً وأننا نجد القنوات الأجنبية بالآلاف، ولذلك كلما كثرت القنوات الشيعية عاد النفع على الجميع.

فالغرض من افتتاح القنوات الشيعية هو إيصال رسالة الإسلام المحمدي الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى وأهل البيت بذلك. يقول الله عز وجل: ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ [1]. ومن أساليب التبليغ هذه القنوات، فلذلك كثرتها تعني إيصال الرسالة بشكلٍ أكبر وأسرع في نفس الوقت.

كما أن أمر التبليغ والإعلام لم يكن أمراً جديداً أو وليد القرن العشرين كما يظن البعض، وإنما منذ بدء الخليقة، ومروراً بالعصور كـ «الفرعوني، الروماني، الجاهلي.. » وكلُ عصرٍ كانت له أساليبه في نشر الأفكار والآراء بين مجتمعاتهم.

ولم يكن عصر صدر الإسلام بمعزلٍ عن تلك الأساليب في نشر الإسلام بين الناس، بل وتعدى ذلك لدول أخرى أيضاً. ولعل قصة حديث الغدير خيرُ شاهدٍ على أن الرسول الأكرم - - استخدم الإعلام بذلك، حيث فاق عدد رواة الحديث مئة راوٍ من الصحابة. وبطبيعة الحال فرواة الحديث أضعاف هذا العدد؛ لأن عدد الحاضرين بتلك الحادثة والمستمعين للحديث كما يُنقل كانوا أكثر من 100 ألف.

فقيام الرسول الأكرم - - بهذا الأمر وجمع هذه الجموع الغفيرة من الناس، ما هو إلا إيصال رسالة الله إلى عباده في أقطار العالم وإلقاء الحجة عليهم، وحتى لا يأتي من يقول أني لم أسمع بذلك الحديث وبالنص الإلهي. ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ۖ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ [2].

وهذا الأسلوب يجب أن يُطبّق الآن ونحن نعيش ثورة الإعلام المرئي والحرية النسبية، وذلك بانشاء وتأسيس العديد من القنوات الفضائية الشيعية حتى وإنْ تشابهت في الطرح والمضمون. فهذا الأمر لا يمنع من افتتاحها؛ خاصة وأن الهدف هو إيصال فكر أهل البيت للعالم أجمع.

فإشكال تشابه الطرح مردودٌ جملةً وتفصيلاً؛ فهل يقول عاقل ما الداعي لكثرة عدد رواة حديث الغدير؟ وهل يقول قائل ما الحاجة إلى نسخ مكررة من الرواة - ونحن نعلم جيداً أنهم رووا نفس الحديث -؟! فهلّا اكتفى الرسول الأكرم - - براوٍ واحد فقط! فما الغاية من طرحه على 100 ألف أو يزيدون؟!

إن الماء بكيفيته متشابه، وقطرةُ الماء تشابه قطرة الماء الأخرى، إلا أن هذه القطرات المتتالية حينما تتساقط على الصخرة فإنها تفتتها. وهكذا الأمر بالنسبة للقنوات الفضائية فإنها تعمل بنفس الدور إذا ما كان هدفها نشر الإسلام المحمدي الأصيل وتفنيدها للباطل. فإن تلك القنوات تمثل «قطرة الحق على صخرة الباطل».

إن العالم اليوم - ومع توفر هذه الوسائل - بحاجة إلى فكر أهل البيت ، وبحاجة إلى تبصرة المخالفين وأصحاب الديانات الأخرى والأخذ بيدهم إلى طريق النجاة. فالجهل الذي تعيشه المجتمعات الأفريقية والآسيوية وغيرها من المجتمعات بالدين الإسلامي بحاجة ماسة لقنوات فضائية تنشر لهم ما يحتاجونه من تعاليم الدين؛ وإلا فالشيعة محاسبين عن ذلك.

إذن؛ على الشيعة أن يغتنموا الفرصة التي تعيشها من «الحرية» بتأسيس أكبر قدر ممكن من القنوات الدينية، دون الإغفال عن ما يطرح فيها؛ فهذا الأمر يقع على كاهل مسؤولي وإداريي القنوات «وقد نتحدث عنه في مقال آخر». كما أن عليهم ألا يستمعوا إلى المثبطين وأصوات النشاز الذين لا يريدون النجاح لمثل هذه المشاريع؛ فإن لكل مشروعٍ أعداؤه. ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [3].

1. سورة الأحزاب 33.
2. سورة المائدة 67.
3. سورة المائدة 139.