الشيخ علي المرهون .. داعي الصلاة

 

 

بالمسجد الذي عُرف باسمه ظل العلامة الراحل الشيخ علي ابن الشيخ منصور آل مرهون حتى مرحلة متقدمة من عمره المبارك يعتلي منبره في كل مناسبة دينية طابعها الحزن والأسى أو الفرح والبهجة ويردد كلماته بحق هذا المعصوم أو ذاك مذكراً مجتمعه الذي عرفه وعرفوه بمناسبة ربما ضاعت في زحمة الحياة اليومية فيبدأ بعد أن ينتهي من إمامة المصلين بترديد الأبيات الشعرية بصوته ليدخل الحضور وربما كل من يسمع صوته من جيرانه ومرتادي الطرق والأزقة المحاذية للمساجد في حزن وتأسي بمصاب أهل البيت –عليهم السلام- كما لايفوته أن يرسم البسمة على وجوه أبناء مجتمعه ويدخل الفرحة والسرور إلى قلوبهم في ذكرى ولادة أئمة أهل البيت والأعياد الإسلامية.

لقد استطاع العلامة المرهون –رحمه الله- أن يعطي نكهة خاصة للمناسبات الإسلامية التي تولى إحياءها طوال سنوات عمره فقد تربى الكثير مذ طفولتهم تحت منبره ولم يعرفوا دعاءً يرددونه في صلواتهم اليومية سوى تلك الأدعية المأثورة التي كان يرددها في صلاته بصوته الشجي ذي النبرة الحزينة. ولم يتمكنوا بعد أن حال المرض والتعب دون مواصلة عطاءه أن يحيوا مناسباتهم الدينية بنكهتها المرهونية الخاصة بعيداً عنه –يرحمه الله- فقرر البعض أن يعزف عن إحيائها ويخلف المسجد وراء ظهره باحثاً عن نكهة مشابهة لتلك التي عهدها سنوات عمره فكان سبيله زيارة العلامة الراحل كلما سنحت له الفرصة أو الاكتفاء بالوقوف على باب داره علّه يتذكر تلك الأيام الخوالي التي يرى فيها معشوقه يحث الخطى بهدوئه المعتاد متجهاً نحو مسجده وعباءته لاتزال تراوح مكانها بين ذراعيه حتى يقف بمحراب الصلاة.

كما ترك سماحة العلامة المرهون بصمته الخاصة التي اشتهرت في العديد من البيوت العلمية القطيفية في القرون الماضية واندثرت في المتأخرين إلا أنه كان مميزاً كعادته فلم يفته أن يضع بصمته والناس غارقين في سباتهم كل صباح عندما يصدح بصوته ( الله أكبر، الله أكبر)، داعياً إلى الله بصوت ملؤه الخضوع والخشوع وبلكنته الحزينة التي –كما يقول بعض جيرانه- كانوا يبكون عندما يسمعون صوته ويشعرون برهبة شديدة وكأن المنادي يدعوهم للوقوف أمام الله –سبحانه وتعالى- في يوم المحشر، ويصفون ليالي الشتاء الهادئة التي يكسر سكونها سقوط قطرات المطر عند ساعات الفجر الأولى فيمتزج صوته –يرحمه الله- بتلك القطرات في لوحة روحانية ملؤها الخشوع، ولربما كان آخر من نادى للصلاة من علماء الدين المتأخرين.

لقد رحل العلامة المرهون وخلّف وراءه جيشاً من اليتامى والأرامل فأين يذهب أولئك الذين لم يعرفوا سواه في حياتهم بل إن بعض كبارنا يروه أباً ومرجعاً ومرشداً في كل شؤون حياتهم وكانوا لايرون حرجاً من توجيه العتاب الدائم لسماحته عندما يغادر البلاد بل يرى بعضهم أن صكاً وقفياً يجب أن يصدر بحقه ليكون دائم الحضور ليلاً ونهاراً فبه فقط عاشوا وتزوجوا وأحيوا أفراحهم وأتراحهم وبرحيله فقدوا الأمل وضلوا الطريق ويمكنك أن ترى ذلك جلياً في وجوههم ويكفي أن تزور مسجده المتربع في حي المسعودية ( بالشويكة )، وتنظر لتلك الوجوه الشاحبة التي رسم الزمان عليها تاريخاً من العلاقة الوثيقة بينهم وبين مؤسس هذا الصرح الديني الذي يزورونه كل يوم، وعند كل فريضة ليقفوا أمام الله –سبحانه وتعالى- وبعد أن ينتهوا من تقديم فروضهم يمرون بزوايا المسجد ليشموا رائحة عهدوها لسنوات وتأبى نفوسهم نسيانها رغم مرور الأيام والسنين ويبتهلون إلى الله أن يجمعهم غداً سوية في الجنان مع رسول الله وأهل بيته–عليهم السلام.