العلامة المرهون .. الشخصية والرمز

 

 

إن من أهم معالم أية شخصية ذات بُعد (رمزي) قدرتها على التأثير فيما وفيمن حولها، وما تتركه من إرث علمي أو ثقافي، أو ديني أو منهج يستلهم منه أتباعها الرؤية التي أراد منها ذلك الرمز أن تكون هي الصبغة التي تغلب على أولئك الأتباع، والتي عن طريقها يسيرون على نهجه، وفق رؤية واضحة وصحيحة، وذلك الإرث هو ما يُخلد تلك الشخصية. ففي منطقتنا لا يزال الشيخ حسين العصفور-رحمه الله- على سبيل المثال- موجوداً ومُخلداً في أذهان الكثيرين ممن لا يزالون يقتفون آثاره رغم مرور ما يقارب القرنين على وفاته.

ولعلّ للعلامة الشيخ علي آل مرهون –رحمه الله- الذي نحن في الذكرى الثانية لرحيله- رمزية خاصة فرحيله. كان له أثره ووقعه على أهالي المنطقة خاصة وعلى الحوزات العلمية عامة. فهو آخر أبناء جيله من علماء أثروا الساحة وأثّروا فيها، فقد نظر له الجميع عبر جانبين:

 الجانب الأول: رمزيته الخاصة كونه الشيخ علي ابن الشيخ منصور آل مرهون، التي كان لها دورها الفاعل والمميز في جميع نواحي القطيف إن بشكل مباشر أو غير مباشر. فنشاطه امتد عبر هذه الرقعة الجغرافية الحيوية وكان لها عطاءها المختلف وفق حاجة المنطقة في فترة زمنية كان دور العالم في منطقتنا خاصة قد أخذ بالتراجع عما كان قبل هذه الفترة وأضحى اهتمام علماء الدين يكاد يكون منحصراً في الفتوى وفي الأمور التي تمس الجانب الديني للمجتمع وأخذت بالابتعاد عن الهموم والمشاكل المباشرة التي كانت هي أحد أهم ما يتصدى له علماء الدين بسبب ظروف معينة بعضها قاهر وبعضها عائد لمنهجية التوجه الديني الذي يتبع إليه ذلك العالم.

الجانب الثاني: كونه آخر علماء عصره حيث رحل كل العلماء الذين عاصرهم والذين يعدون من طبقته وفي عمره والأمر كان-مع بقاء الخصوصية- أشبه ما يكون باستشهاد الإمام الحسين-عليه السلام- الذي لا نزال في أجواء استشهاده من حيث رمزية الاستشهاد والرحيل. فالعلماء هم ورثة الأنبياء والذين من سنخهم الأئمة المعصومين-عليهم السلام- فقد كان -عليه السلام- يُنظر إليه كونه آخر أصحاب الكساء والمجسد لهم والذي باستشهاده شعر المسلمون عامة وأهل البيت خاصة أن بوفاته تُوفي رسول الله والزهراء وأمير المؤمنين والإمام الحسن -عليهم السلام - وهذا ما قالته السيدة زينب -عليه السلام- حين استشهاده. وبرحيل الشيخ علي المرهون، طويت مرحلة هامة وحيوية في تاريخ القطيف كانت حافلة بثلة من العلماء الذين تركوا بصماتهم الخالدة في تاريخه الحديث.

لقد رحل العلامة المرهون منذ عامين، مخلفاً تاريخاً حافلاً من العطاء لأبناء منطقته، وذكرى دفعت أبناء القطيف من مختلف الأعمار، والتوجهات والطبقات والمناطق، لاستشعار مرارة فقده والخسارة الكبيرة لرحيله. وكان هذا جلياً في التشييع المهيب، من حيث العدد الكبير للمشيعين من مختلف المناطق، والأعمار ومن الجنسين، والمشاركة الكبيرة في مأتم العزاء، وكذا تصدر صورته منازل محبيه، ومن استشعروا فداحة خسارته وفقده.

لقد كان تأثير العلامة المرهون والذي امتد عبر عقود طويلة، أدت لأن يكون له مكانة خاصة في جيل الآباء والأبناء، والأحفاد، وأن تكون كلمته مؤثرة في هذه الأجيال الثلاثة وبصمته واضحة في توجهاتهم، وبالأخص لكونه كان يتعامل بمحبة وتواضع مع الجميع،  وبأبوة صادقة مع منهم في مثل عمر أبنائه وأحفاده. كما تعامل بذات الأخلاق العالية والرفيعة مع آبائهم، حيث كان تعامله معهم يمتاز بالأخوة الصادقة. هذا فضلاً عن كونه لم يدخل في أي نزاع أو خلاف ولم يتسبب في أي صراع بين أبناء منطقته على أساس مرجعي أو مناطقي أو لمصالح شخصية.

رحل العلامة المرهون بجسده، وجرع أبناءه وأهله وأتباعه مرارة وألم الفراق، ولكنه بقي حياً في قلوبهم وفي ذاكرة القطيف وفي سجلها الحافل بالعلماء والمفكرين والشعراء والأدباء والمؤلفين، بعلمه وبطيبته وتسامحه، وبما حمله من رمزية جعلته مجسداً لجيل من علماء عصره خلال عقود حفلت بالعديد من الأحداث والمتغيرات. ربما كُتب له من بينهم أن يكون الأكثر حضوراً واتصالاً بجيل أتى بعد رحيلهم فعاصره كونه – أي الشيخ علي - رحل بعدهم، فكان رمزاً لمرحلة كانوا هم نجومها، ومجسداً مميزاً بشكل إيجابي  لتلك المرحلة وقدوةً لمن أتى بعدهم.