الإمام الحسين عليه السلام وحدود التعريف

للمعرفة حدود لا يمكن تجاوزها مالم تمتلك القدرة على كسر حاجزها لتعبر ما كان مستحيلا ولتحلق في سماء المعرفة والعلم ولستطيع بالتالي تعريف المبهمات والغامضات هناك الكثير من الأمور يعتقد المرء انه قادر على تعريفها وإدراك محتواها فربما يستطيع في جانب وجوانب اخرى تصبح عصية عليه وذلك لافتقاده للمستوى الذي يجعله ينظر ما وراء التعريف ويقراء الحبر السري ليعرف الجانب الآخر من التعريف، تمر علينا في هذه الأيام ذكرى عظيمة وحزينة تشرأب لها الأعناق وتضج لها السموات والأرض ألا وهي ذكرى أبا عبدالله الحسين عليه الصلاة والسلام وترى الارض تتشح بلون الحزن والآسى لما أصاب السبط الشهيد وترى تلك المأتم المهيبة تنصب لذكر مصيبته العظيمة وللتعريف به وبما جرى عليه، ولكن هل نوفق للوصول لمنزلة تعريف العالم بالحسين الامام الحسين الذي بكته السموات والأرض كما قال الامام الصادق : «وَبَكى لَهُ جَميعُ الْخَلائِقِ وَبَكَتْ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْاَرَضُونَ السَّبْعُ وَما فيهِنَّ وَما بَيْنَهُنَّ وَمَنْ يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ وَالنّارِ مِنْ خَلْقِ رَبِّنا وَما يُرى وَما لا يُرى»

ان هذه البكاء خصوصية للإمام الحسين لم ولن يشترك معه فيها احد في العالم فمن هو الذي بكى له الوجود فالمتأمل يخرج بنتائج كثيرة من هذاالامر انه ليس فقط بكته السماوات السبع والارضون السبع بل ما فيهن وما بينهن وزد على ذلك من يتقلب في الجنة والنار والأمر المدهش هو بكاء كل من خلق ربنا وهذا الامر يعني كل الموجودات من جمادات وكل ذي نفس بل الأغرب من ذلك كل ما يرى وما لا يرى!!

ان خصوصية الامام الحسين ليس في استمرارية البكاء عليه وليوم القيامة وإنما خصوصيته في عدم ادراك حدود معرفته يقول الإمام الصادق «اَشْهَدُ اَنَّ دَمَكَ سَكَنَ فِي الْخُلْدِ وَاقْشَعَرَّتْ لَهُ اَظِلَّةُ الْعَرْشِ» لقد عرّف الامام الصادق جده الحسين عليه من خلال دمه وأي دم هذا؟ وهل كباقي الدماء؟ لا بل هو الدم الذي سكن في الخلد واقشعرت له اظلة العرش، ذلك الدم الذي لم تسقط منه قطرة على الأرض بل هو دائماً في صعود وكان الامام الحسين يرمي به الى السماء في مواقف عديدة فقد رمى دم الرضيع الى السماء فلم تسقط منه قطره ورمى دمه الشريف نحو السماء لان هذا الدم ليس مكانه الارض لان الارض لا تحتمله بل الخلود واظلة العرش التي اقشعرت له فأي قدسية لذلك الدم الذي عجز الكون عن تفسير سره وإذا كان سر الدم عصي التفسير وبتلك المنزله فما بالك بالروح روح سيد الشهداء فهل يدرك من لا يستطيع تعريف دم الحسين ان يدرك حدود تعريف روحه