ولزينب رب يحميها


 

 

تلك الليلة، كانت أصعب الليالي على قلب مولاتي العقيلة زينب عليها السلام، ليت شعري ما كان شعورها وما الذي كانت تعانيه، فحين يفقد المرء شخصاً واحداً من أحب الناس إلى قلبه فإنه يعاني كثيرا، ولنا في قصة يعقوب النبي عليه السلام حينما فقد ولده العزيز يوسف عليه السلام وهو يعلم أنه حي يرزق لعبرة لأولي الألباب. فكيف بقلب إمرأة فقدت في ساعة واحدة 17 رجلاً من أهل بيتها وأعز قرابتها، نجوم الأرض من آل عبدالمطلب، هذه المرأة هي زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السلام، وحق للشاعر أن يقول "بأبي التي ورثت مصائب أمها ** فغدت تقابلها بصبر أبيها".

هي ليلة الحادي عشر من المحرم، التي أصبحت فيها مولاتنا العقيلة زينب الحامي والكفيل لليتامى والأرامل، من بعد أخيها سيد الشهداء عليه السلام حيث أنها كانت تنظم شؤونهم وترعاهم. ورغم كل ذلك، ورغم كل المصائب التي مرت عليها، لم تفقد صبرها وتجلدها، لكنها صلت ذلك اليوم صلاة الليل من جلوس. وفي اليوم الحادي عشر من المحرم كانت الرحلة الشاقة والعسيرة على قلب مولاتنا العقيلة زينب عليها السلام، حادي الظعن في تلك المسيرة هو الشمر عليه لعنة الله ويحوط موكب السبايا جيوش بني أمية. قلوبهم قاسية، وأيما صوت تصدره الهاشميات فالضرب المبرح هو ردة فعل أبناء الطلقاء.

أما رأس الحسين عليه السلام الذي نصبه أعداء الدين والإنسانية أمام موكب سبايا آل محمد عليهم السلام، وأمام عيني مولاتنا العقيلة زينب عليها السلام، كان ذلك تعذيبا نفسيا للأسرة الهاشمية العلوية، وحين كانت النساء يبكين لمنظر الرأس المنصوب على رمح طويل، تجلدت وصبرت بنت أمير المؤمنين ونفذت وصية أخيها الحسين عليه السلام حين أمرها بالصبر وعدم اظهار الأسى والحزن، بل وإكمال مسيرته عليه السلام.

وتجلى صبرها وعزيمتها في ثلاثة مواطن، في الكوفة، أمام ذلك الجمع الهائل من الناس، وبين يدي طاغية الكوفة والبصرة عبيدالله بن زياد، وعند ابن آكلة الأكباد في دمشق الشام. هناك ألقت الحراء زينب عليها السلام خطباً عظيمة من دون خوف أو انكسار، فاقشعرت لها أبدان الحاضرين وسقطت قطرات الدموع من أعينهم، وهم ممن امتلأت قلوبهم حقدا على آل بيت النبوة والرسالة، حتى قيل أنها قد أفرغت عن لسان أبيها أمير المؤمنين عليه السلام. لعمري، إن المصائب التي رأتها زينب عليها السلام كانت كفيلة بأن تهد الجبال الرواسي، ولكن لزينب رب يحميها.

وتخرج زينب عليها السلام من الشام مرفوعة الرأس منتصرة على أبناء الطلقاء، فتشاء القدرة الإلهية أن تعود مولاتنا زينب عليه السلام إلى هذه الأرض الظالم أهلها، بعد عامين مريضة ناحلة الجسم فيوارى بدنها في دمشق الشام. وهناك في أرض بني أمية ترتفع قبة مولاتنا العقيلة زينب الزاهرة لتناطح السحاب، ويزورها أفواج البشر في كل عام، وفي كل آن، يتوسلون عند ضريحها الطاهر، فكان ذلك عربونا لوفاءها وهدية من رب السماء لهذه المرأة الطاهرة التي ضحت بكل ما تملك من أجل إعلاء راية الحق وراية جدها رسول الله صلى الله عليه واله، ونصرة لأخيها الحسين عليه السلام.

ويأبى الطلقاء وأبناء الطلقاء إلا أن يطفئوا نور الله بأفواههم، فيأتون من كل حدب وناحية، لإسقاط راية العقيلة زينب، وهدم تلك القبة الشامخة، وإيقاف الأفواج البشرية الوافدة إلى تلك البقعة من الأرض التي تشرفت بالسيدة زينب عليها السلام في كل عام. ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمنافقون، فهاهي قبة زينب عليها السلام تعلو يوما بعد يوم، ورجال الله أقسموا "أن لن تسبى زينب مرتين"، وحقا لزينب رب يحميها.