فوبيا

 

الخوف من المجهول أو مما قد يحدث أمرٌ يسكن في دواخلنا، و لا نشعر به إلا حينما يستفزه موقف أو ظرف أو مكان أو زمان. من أمثلة الخوف من المجهول أو "الفوبيا" كما يُطلَقُ عليه:

- الخوف من الأماكن المرتفعة: وهو الذي جعل الكثير من الناس يمتنعون من ارتقاء الجبال وناطحات السحاب وكل ما هو مرتفع.

- الخوف من ركوب الطائرات: خشية سقوطها.

- والخوف من ركوب السفن: خشية غرقها.

- والخوف من ركوب المصاعد: خشية تعطلها وتوقفها بركّابها.

- و الخوف من الحُقن: خشية ألمها أو خشية شكل انغراسها في الجلد.

- والخوف من الدم حتى و إن كان زهيداً ، ربما الخوف من لونه أو من شكل سيلانه الذي قد يرتبط بالسوء أو المكروه.

- و الخوف من الإمتحانات و المقابلات الشخصية : لأنها قد تكون متعلقة بذكريات فشل أو غيرها ، أو لمجرّد الرهاب من طقوسها العامة لأنها لحظات مفصلية في حياة الفرد.

- و الخوف من قيادة السيارة : لأنها مرتبطة بالحوادث المرورية التي قد تنجم عنها الوفيات لاسمح الله.

طبعاً الفوبيا بأنواعها إمّا أن تكون نتاج رواسب طفولة ، و نَمَت و رافقت الإنسان طيلة فترة حياته ، لأنه لم يواجهها و يحاول الخلاص منها ، أو أنها نتيجة تعبئة أو مواقف شخصية تعرّض لها الإنسان أو تعرّض لها أحد المُقرّبين له ، أو تعرّض لها أشخاص في حضوره حتى و إن كانوا لا يمتّون له بصلة ، لأن الطبيعة البشرية تفرض على الإنسان التأثر بما يجري حوله أو أمامه حتى لو كان لا يعنيه ذلك ، و حتى إن كان هذا الأمر ليس حقيقياً . فعلى الرغم من يقين الفرد بأن ما يجري أمامه ليس حقيقياً في بعض الأحيان ، إلا أنه يندمج و يتأثر و يسرف في مشاعره الإنسانية ، و هذا ما يحدث بالضبط عندما نشاهد الأفلام السينمائية . فنجد أننا نتأثر بمشاهد السقوط من الأعلى ، أو غرق السفن أو وقوع الطائرات و نشوب الحرائق ، أو الحوادث المرورية ، أو تعطّل المصاعد ، و لاشك أن هذه الأفلام هي عنصر أساسي من عناصر التعبئة النفسية للفرد ، فالكثير من الأشخاص قاطع الطائرات و السفن و المصاعد على اثر مشاهدته للأفلام التي أعطته مسوّغاً قوياً للإمتناع.

من مظاهر "الفوبيا" التي رأيتها بنفسي و التي قد تكون غريبة و طريفة في آنٍ واحدٍ هي الخوف من الدرج أو "السير" الكهربائي الذي نراه في المجمعات التجارية. فإحدى قريباتي كانت معنا في جولة تسوّق ، و عندما أردنا الصعود للدور العلوي امتنعت عن الصعود معنا بالسير الكهربائي ، و عندما سألتها بإستغراب عن السبب ؟! اخبرتني أن عباءتها تعلّقت في هذا السير ذات مرة ، و كاد قلبها أن يتوقف من شدّة الخوف ، و من حينها و هي تتجنب الصعود بهذه المصاعد في أي مكان !!.. و هذا دليل أن "الفوبيا" قد تكون نتاج مواقف تعرضنا لها في حياتنا قد لاتستغرق إلا بضع ثوانٍ ، لكن تأثيرها قد يلازمنا ما حيينا.

أيضاً أكاد أجزم بأن الفيلم العالمي الشهير "تايتنك" و الذي شاهده الملايين حول العالم و تأثروا به قد ألقى بظلاله على جزء ليس باليسير منهم ، و زرع فيهم بعض "الفوبيا" من ركوب السُفن و الغرق.

أما الطائرات ، فحدّثوا و لا حرج ، فحوادث سقوطها شهيرة جداً ، و قد جسّدتها الأفلام و نقلتها الأخبار و نشرتها الصحف و روتها القصص و الأساطير على مَرّ العصور ، و أعتقد أنها من أشهر أنواع "الفوبيا" ، إذ أنَّ تأثيرها واضح و جَليّ على الكثير من الناس ، و لنلتفت حولنا و نحاول إحصاء عدد الذين يخشون ركوب الطائرات . حتماً لن نستطيع . و حتى مَن تجرّأ و كسر حاجز الخوف ، نجد ذات الخوف يتراقص أمامه تراقص الأفعى حال إقلاع و هبوط الطائرة ، و حال سباحتها في الجوّ أيضاً ، و نجده في تلك الأثناء يلوذ و يلتجأ و يعتصم بالله و بالآيات و التسبيح و الإستغفار و ربما التشهُّد حتى يطمأن أنَّ قدميه تلامس سطح البسيطة ، حينئذٍ سيعود إلى وضعه الطبيعي.

في عصر التقدّم و التكنولوجيا و السيارات الفارهة ، لا زال يقطن بيننا مَن يخاف قيادة السيارات ، البعض منهم كبار السن الذين يأسوا من موضوع القيادة لأنهم لم يتخطوا حاجز الخوف منها أو يأسوا من تكرار فشلهم في تعلمها في سنوات شبابهم ، و استعاضوا بأبناءهم أو سائق خاص كي يسد هذه الثغرة في حياتهم ، و البعض منهم شباب سكن الخوف أقفاصهم أيضاً و لم يبرحها ، و لم يحاولوا أن يفلتوا من تحت براثنه !!

أيضاً نُفرد مساحةً من الذِكر لـ"فوبيا" الأمراض و البكتيريا و التلوث ، فنجد الكثير من الناس يفرطون في موضوع النظافة و التعقيم ، و ترافقهم المعقمات و المطهرات في حلّهم و ترحالهم . بل حتى في حقائب اليد ، و الإفراط في هذا الأمر قد يُسهم في إضعاف المناعة لأنه يحدّ من تعرّضها لمقاومة البكتيريا و بالتالي ضعفها.

هناك نوع من الهواجس الغير جليّة ، و لا أعلم هل يصل بنا الحال لأن نُطلق عليه "فوبيا" أم لا ، لكنه يسكنني بحكم تنقلاتي المستمرة بالقطار و بالتأكيد يسكن غيري ممن يسافرون كثيراً ، و هو التساؤل عن "كيفية" و "ماهية" الشخص الذي سوف يركن إلى جانبي في المقعد الشاغر و يرافقني طيلة رحلة ستدوم عدة ساعات ؟! ماهي ثقافته و أفكاره و شخصيته و تقبّله للآخر و غيرها من التساؤلات. فوجوده إلى جانبي قد يحدّ من حريتي و يضعف من خصوصيتي .

قد يرى البعض أن هذا الموضوع ليس بذي أهمية ، لأنها مجرّد رحلة عابرة اقتضت تجاور الكثير من الأشخاص ببعض بمحض الصدفة أو بترتيب من الجهة المنظمة ، و بمجرد الوصول سوف ينفضّ هذا الجوار ، لكنني أرى أن الموضوع يحمل شيئاً من الأهمية إذا ما قسنا أن للسفر فوائد كما نوّه الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فمن هذا المنطلق ، أجد في التعارف و الإحتكاك بالناس فائدة كبيرة و ثقافة عظيمة ، فالفرد مرآة للفرد الآخر ، و مقياس فكري و ثقافي مهم ، و قد يدور نقاش بين فرد و فرد في رحلة عابرة دون سابق معرفة و يكون ذا مردود كبير و ثراء عظيم ، أو قد تنشأ علاقة قوية لا تنتهي تكون نقطة إنطلاقها تلك الرحلة. أو قد يكون عكس ذلك كله !! فكل شيء يقبل النقيضين ، لكن يجب أن نحسن الظن حتى يثبت العكس.

بقي أن أقول مهما تعدَّدت و تشكَّلت أنواع "الفوبيا" ، فإن الإنسان قادر بالمِراس و المحاولة على تخطيها و تحديها دون أن تكون نقطة ضعف يراها أمامه أينما حلَّ و ارتحل.

 

 


تاريخ الميلاد
09 مايو، 1981
السيرة الذاتية
المؤهلات العلمية:
- حاصل على دبلوم المحاسبة التجارية من معهد الإدارة العامة بالرياض عام 2008.
- أدرس حالياً إدارة الأعمال في جامعة الملك فيصل .

الخبرات الوظيفية:
-موظف حكومي في المديرية العامة للشئون الصحية بالرياض من عام 2004 إلى 2008 .
-موظف أهلي في البنك السعودي البريطاني "ساب" بالرياض منذ 2008 و لا زلت على رأس العمل.

مشواري الكتابي:
-كتبت ما يفوق الأربعين مقالة ، و كان معظمها في جريدة "الرياضي" السعودية عندما كان مقرها في المنطقة الشرقية ، كما نشرت أيضاً بعض المقالات في جريدة "الجزيرة" و "اليوم".
-اتجهت للكتابة في المنتديات الثقافية ، و كان من ضمنها "منتدى أزاهير الثقافي".
-اتجهت للنشر على صفحتي الشخصية على الـfacebook و النشر في الصحف الإلكترونية في نفس الوقت ، و على رأسها : شبكة الأحساء الإخبارية ، صحيفة الأحساء الإلكترونية ، مشهد الفكر الأحسائي .
الجنس
ذكر
المعلومات الشخصية
كاتب يرسم صورته في عيون الآخرين من خلال قلمه .. .

بطاقته الشخصية :

الاسم : رائد علي البغلي
تاريخ الميلاد: 05-07-1401هـ الموافق 09-05-1981مـ
مكان الميلاد: الأحساء
ترتيبه بين أخوته : الأكبر
سماته : الطموح ، الصبر ، الكفاح ، الأمل
الاهتمامات الشخصية
الكتابة بأنواعها ، و المطالعة ، و تصفح الإنترنت ، و متابعة كرة القدم .
البريد الإلكتروني
[email protected]
الموقع الإلكتروني
http://raedalbaghli.blogspot.com/