البقيع ذكرى منسية


هاهي تطل علينا الذكرى السنوية التسعين لهدم قبور البقيع الغرقد، تلك البقعة التي دفن فيها أطهر وأقدس المخلوقات وهم أهل بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي. والتي تشرفت هذه البقعة بدفن هؤلاء الأطهار، فقدسية المقبرة جاءت منهم صلوات الله عليهم.

ولو وقفنا قليلاً في استعراض تاريخ البقيع لنتعرف على مكانته ومنزلته الإسلامية لوجدنا أن أول من دفن في البقيع هو أسعد بن زرارة الأنصاري، ثم دفن الصحابي عثمان بن مضعون ودفن فيها الرسول ابنه إبراهيم، فلما رأى المسلمون أن الرسول دَفن فيها اتخذوها مقبرة(1). فحري بنا أن نؤطر لذكراها وقدسيتها شيئا من الأهمية توازي ما تحويه من قبور أئمتنا العظام الأدلاء على الله ومحال معرفته.

ومن الواجب علينا أن نستلهم من إحياء الذكرى المسؤولية الملقاة على عاتقنا، وتترجم هذه المسؤولية بتوظيف إمكاناتنا وطاقاتنا في أن نعيد القدسية لهذا المكان المجروح، فقد قال الله تعالى (وَقِفُوَهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)(2).

إن المسؤولية تقع على كل فرد من أفراد المجتمع من صغيره لكبيره ولو بنشر رسائل تحيي القضية في نفوس المسلمين.إن البقيع يمثل حضارة وتأريخاً إسلامياً، ويمكنك من خلال تلك المقبرة دراسة التاريخ الإسلامي، فقد دفن في المقبرة أربعة من أئمة أهل البيت المعصومين وأكثر من عشرة آلاف صحابي يمثلون حقبة كاملة من التاريخ الإسلامي، فكل شخص يرقد في تلك المقبرة يجسد جانباً من الحضارة الإسلامية.

كيف نحيي قضية البقيع؟

كثيرة تلك الأمور التي يمكن من خلالها تسليط الضوء على القضية، فيمكن ذلك من خلال الأفلام الوثائقية أو إقامة مجالس تعزية إحياءً للذكرى في كل مكان.. في المساجد والحسينيات والمجالس  بتوسع وإسهاب وإقامة المهرجانات وعمل المعارض، وإنعاش الذكرى في القنوات الفضائية وباقي وسائل الإعلام المتعددة، وتوظيف الأقلام ...إلخ، وبذلك يتم صنع رأي عام عالمي يخدم في إحياء أمر البقيع.

يقول آية الله السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره) في إحدى محاضراته بعنوان (حماية المقدسات) (3):الأمة التي لاتملك حماية عالمية لا تمتلك القدرة على حماية مقدساتها، حماية الأمة يحتاج إلى تخطيط لفترة طويلة. يكمل (قدس سره) :اليهود كانوا أذلاء وضعفاء لذلك كانوا مطاردين في العالم، فأوجدوا لأنفسهم حماية دولية، الآن يوجد قانون يجرم العداء للسامية أي العداء لليهود.

يضيف (قدس سره) ينبغي على كل فرد أن يعمل بوظيفتين كل بحسب إمكاناته. المطلب الأول: الضغوط بمختلف أنواعها مثل الكتابة في الصحف والمجلات العالمية. المطلب الثاني: الدعاء والتضرع لله .  

وهنا نستحضر دعوة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي -دام ظله- لتسمية اليوم الثامن من شوال "بيوم البقيع العالمي"، فهذه الدعوة هي مسؤولية ووظيفة شرعية من منطلق إحياء ذكر أهل البيت وواجبنا تجاههم فيجب علينا أن لا نوفر جهداً إلا ونوظفه، فهي مسؤولية الجميع (4).

إن تخصيص يوم للبقيع والتركيز على القضية هو أحد أشكال زراعة التأثير في نفوس الناس والذي يخلق تفاعلاً مطلوباً. ففي هذا اليوم يستطيع كل شخص أن يحيي القضية كلٌ في تخصصه ومجاله. فعلينا أن لا نتساهل بأي شيء يمكن صنعه، فأعمالنا مثل القطرات تتجمع مع بعضها البعض لتصبح عملاً مؤثراً في المستقبل.


إن الشيعة يمتلكون كفاءات كبيرة ومراكز متنوعة ، لكن المشكلة تكمن في أن الطاقات مبعثرة وكلٌ يفكر في نفسه بشكل منعزل، ولا يوجد تنسيق بين الطاقات والجهود أو شيء يجمعهم كمؤسسات أو منظمات أو ماشابه لكي تتوحد كلمتهم ويخرجون بعمل مثمر ينعكس على صناع القرار للفت النظر لقضايا كثيرة تهم الشيعة وإيصال صوتهم للعالم.

فعلينا أن نسعى ونوحد الجهود لأجل رفع الصوت من أجل إعادة إعمارجنة البقيع الغرقد لتعود إسلاماً شامخاً وتكون وجهة يقصدها العالم الإسلامي من كل حدب وصوب، ويظهر للعالم التاريخ الإسلامي وحضارته الممتدة إلى قرون طويلة.