الإدارة والتنظيم في فكر الإمام الشيرازي (قدس سره)


يزخر مجتمعنا بالكثير من المؤسسات واللجان الثقافية والاجتماعية والدينية، وهذا يدل على ارتفاع درجة الوعي بأهمية دورها الثقافي في المجتمع والمساهمة في رقيه ونشاطه في جميع مجالات الحياة، فيكون مجتمعاً منتجاً لا اتكالياً على الغير.

ومما لاشك فيه أن أحد مقومات نجاح المؤسسات هو التنظيم، وهنا يحث أمير المؤمنين - عليه السلام - على التنظيم في كل أمور الحياة. بقوله "هالله هالله في نظم أمركم"(1)،  فالتنظيم سنة كونية ، فكل شيء في هذا الكون يعمل بنظام ، فجسم الإنسان وحركة الكواكب وغيرها. وسنتطرق في هذا المقال للتنظيم في فكر الإمام الشيرازي (قدس سره) وأهميته وكيفية نجاح التنظيم .

يقول المجدد الشيرازي الراحل في كتاب (السبيل إلى إنقاذ المسلمين) لنجاح التنظيم على مستوى الأمة الإسلامية: "أن تجعل مسودة تعاون، على أساسها تتوحد كل القوى الإسلامية من منظمات وجمعيات وحركات، "وإذا نظرنا لواقعنا الحالي فإنه يبعث على الأسى والحزن، فحال مؤسساتنا في تناحر وحسد،  فكل مؤسسة تريد أن تعلو على حساب الأخرى لأسباب دنيوية لا لرضا الله. ومما يؤسف له أن حال الكثير من المؤسسات الدينية والاجتماعية تطغى عليها النظرة الفئوية والتي تجعلها متقوقعة حول نفسها،  فلا تتعاون مع غيرها بسبب النظرة ضيقة الأفق، فتصير من فشل إلى فشل آخر. فمن اللطيف أن يكون هناك مؤتمراً سنوياً يجمع المؤسسات، فكل واحدة منها تطرح مشاريعها والإيجابيات والسلبيات وكل مؤسسة  تستفيد من الأخرى ويكون هناك تكامل فيما بينها . فمثلاً مؤسسة خيرية في بلد فقير مهمتها توفير المواد الغذائية وأخرى ثقافية في نفس البلد تكون مهمتها تعليمهم الثقافة الصحيحة.

ويضيف الإمام الشيرازي: "في المرحلة الثانية تنتخب جماعة من المثقفين الذين يحملون الفكر الإسلامي ويلتزمون بالإسلام سلوكا ومنهاجا في حياتهم وتكون مهمتهم صب الطاقات من منظمات ودور نشر في تيار واحد.

أما "في المرحلة الثالثة فيتحركون لتشكيل قيادة واحدة ويتم تشكيلها بانتخاب الأكثرية".

يركز الإمام الشيرازي في المرحلة الثانية والثالثة على الانتخابات في المنظمات والمؤسسات ، وإذا نظرنا إلى وضع مؤسساتنا في هذا الجانب فإنه يوجد فيها نوع من التقدم . ففي الآونة الأخيرة أصبحت مؤسساتنا تجري هذا الأمر ولكون تجربتها في هذا المجال جديدة، فليس بالإمكان الحكم عليها الآن. وقد تحدث الإمام الشيرازي -قدس سره- حول هذه النقطة  بقوله" تنتخب جماعة من المثقفين "، فهنا يكمن لب المشكلة في مجتمعاتنا أننا نفتقد الكوادر المؤهلة الكافية لقيادة المؤسسات التي تأتي بالانتخاب بحسب الكفاءة.

فترى المجتمع يبادر إلى إنشاء المؤسسات وقد تجد الكادر المؤهل في البداية ولكن إن غاب هذا الشخص فمثلا أنه توفي أو اختلف مع العاملين معه أو لكبر سنه وغيرها من أسباب بإرادته أو خارجة عن إرادته، يتوقف العمل وينتهي كل شيء لعدم وجود من يديرها من بعده. إن المؤسسات تحتاج إلى تأهيل الكوادر المناسبة والكافية من الشباب وإدخالهم في دورات متخصصة في الإدارة والتنظيم.

ومن النقاط الهامة التي تغفل عنها الكثير من المؤسسات هي معرفة ميول كل شخص، وتنميته في جانب ميوله، ووضعه في الإدارة المناسبة لذلك في المؤسسة. وبهذا فسيكون الشخص ليس منتجاً فقط بل منتج ومبدع في مجاله، وستتقدم المؤسسة خطوات كبيرة في عملها.

من هنا، فإن التنظيم أحد أهم أسباب ومقومات نجاح المؤسسات بمختلف أنواعها، فكم مؤسسة تأسست وبعد سنين عديدة فشلت وأغلقت أبوابها، وما إغلاقها إلا بسبب سوء التنظيم. فعلينا أن نسعى إلى نربي جيلاً مثقفاً منظماً وحينئذ لا خوف على مؤسساتنا من الفشل.

 

(1): نهج البلاغة: ص 421 كتاب 47