المرجعية الرشيدة بين مطرقة المقلدين وسندان الوكلاء(1)

 

 

 

الحلقة الأولى:

مقدمة واقع المرجعية في مذهب الحق:

يمتاز مذهب أهل البيت عليهم السلام بميزة يفتقدها غيره من المذاهب الأخرى بالمرجعية في إدارة شؤون المجتمع من فقه وعقيدة وسياسة وفكر وغيرها من الأمور التي لها دخل بإدارة حياتهم للوصول لرضا الباري عز وجل .

وهذه المرجعية ـ بما تتمتع من وعي ومراتب عالية من التقوى والعدالة والعلم والمعرفة بما له من صلة وثيقة بوصول المقلدين لبر الأمان ـ هي صمام أمان ضد أعداء الدين والمذهب وأصحاب الفكر المنحرف والتوجهات (السامرية) المضللة للمجتمع .

ولقد توصّل أعداء الدين من المستعمرين للبلاد الاسلامية بعد دراسات معمقة وسنوات طويلة من البحث والتنقيب عن قوة هذا المذهب الحق فوجدوا أهم تمركز لهذه القوة في ركيزتين وهما :

1 ـ اتباعهم للمرجعية.

2 ـ تعظيهم لشعائر الامام الحسين

فكل من ينتمي لهذا المذهب الحق ، مهما كان مستواه العلمي والثقافي والفكري فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بمبادئ المرجعية وينصاع لأوامرها الرشيدة ، وكذلك شعائر الامام الحسين عليه السلام المنغرسة في أعماقه والمتجذرة في وجدانه وضميره ، فهو يرخص الغالي والثمين من أجل إقامتها والمحافظة عليها ، وهذا لعمري واضح جلي لمن تتبع التاريخ وقلب صفحاته ، فكم قدّم الموالون والمحبون للإمام الحسين عليه السلام ـ  في تلك الازمان الغابرة والصفحات السوداء من تاريخ الاسلام على أيدي أرذل الخلق وأدناهم ـ من أرواح وقطع أيدي وأرجل وغيرها في سبيل إحياء شعيرة زيارة الامام الحسين عليه السلام .

فبدأ الأعداء يحيكون الخطط الخبيثة والحاقدة في عزل المجتمع الشيعي والموالي عن هاتين القوتين ووضعوا لذلك برامج وخصصوا أمولاً طائلة لتنفيذ هذا المخطط الخبيث ، التي بدأت معالمه تظهر للعيان منذ سنوات ليست بقليلة ، سواء إعلامية أو غيرها ، وربما ساعدهم في هذا المخطط ـ من حيث يعلموا أو لا يعلموا ـ بعض المغفلين والمصلحيين الذين تتوق نفوسهم المريضة للشهرة أو المناصب الزائلة  من أبناء جلدتنا ، سواء على مستوى أفراد أو جماعات تنظيمية وغيرها أو دول ، فصنعوا أناساً بلباس الدين والمذهب وأغروهم بأموال وإعلام ، تارة باسم المرجعية المحلية وأخرى بمرجعية أصلح أو مرجعية عربية أو فارسية وغيرها من العناوين والمسميات التي في واقعها تفتقد البرهان الشرعي ومخالفة صريحة وصارخة لآيات الذكر الحكيم وروايات أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم أجمعين ، وما ذاك ( البيروتي ) وهذا الذي يشكك في شعائر الامام الحسين عليه السلام القابع العراق وغيرهما من الأسماء عنها ببعيد ، بل هما من صنع هذا المخطط  البائس وفضلة من فضلاته.

فافتتن بهما أو بأحدهما بعض الناس السذّج وأصحاب التوجهات المنحرفة بما تحويه نفوسهم من أمراض وعقد تجذّرت فيهم مع بدئ مشاريعهم (التعايشية) مع أعداء المذهب الذين لا يخفون نصبهم وعداوتهم لمتبعيه ، فأخذوا يطلقون ألفاظاً ويضعون أوسمةً للشجاعة والجرأة !!! على مخالفة الموروث والمشهور وربما المجمع عليه في المذهب ، فأصبح عندهم مثل هؤلاء مجتهدين أبطالاً وشجعاناً  ومبدِعين .

نعم هم مجتهدون قبال النصّ الجليّ ، وأبطالٌ في مخالفة روايات أهل البيت عليهم السلام ، ومبدِعون في المذهب باجتهاداتهم ( الاستحسانية ) التي هي بعيدة بُعد المشرقين عن المنهج القويم والصراط المستقيم ... وتجلّى هذا منهم بزياراتهم والتواصل معهم ، وربما اتصالاتهم لمثل هؤلاء حينما يفتون ضد شعائر الامام الحسين عليه السلام بغية التشجيع لهم والتصفيق لجرأتهم على الدين!.

وأما على صعيد شعائر الامام الحسين عليه السلام ، فقد خطط الأعداء لضربها تارة بتسليط الاعلام وشراء ضميره باستخدام أعداء المذهب ، مرةً بالسخريّة والتهريج لبعض الشعائر وتصويرها في الاعلام أنها خارجة عن مفاهيم الدين الحنيف ، ومرة أخرى أنها من صنيعة المجوس وغيرها من المسميات الخاوية التي لا تصمد أمام الدليل والبرهان .

وتارة أخرى من داخل البيت الشيعي بشراء ضمائر بعض من جعلوهم في مقام المرجعية التي لا يستحقون وصفهم بها أصلاً ومن ثمّ التشكيك في دخول بعض الشعائر الحسينية المقدّسة تحت عنوان الشعيرة واندراجها فيه ، أو أنها دخيلة على الدين ووصمها بالخرافة ، حتى لمثل البكاء على الامام الحسين عليه السلام بصوتٍ عالٍ الذي هو خلافٌ جليٌ لكلام صادق أهل البيت عليهم السلام حينما كان يدعو في سجوده وتبتلّ كريمته الشريفة بالدموع لزوار جده الامام الحسين في الرواية المعتبرة سنداً واضحة دلالة ...عن محمد بن أبي عمير عن معاوية بن وهب قال : " دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وهو في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته وهو يناجي ربه فيقول : يا من خصنا بالكرامة ووعدنا الشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة وخصنا بالوصية وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي وجعل أفئدة من الناس تهوى إلينا ، اغفر لي ولإخواني وزوار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام الذين أنفقوا أموالهم وأشخصوا أبدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسرورا أدخلوه على نبيك محمد صلى الله عليه وآله وإجابة منهم لأمرنا وغيظا أدخلوه على عدونا ، أرادوا بذلك رضوانك فكافهم عنا بالرضوان وأكلأهم بالليل والنهار ، واخلف على أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف واصحبهم واكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك وشديد ، وشر شياطين الإنس والجن ، وأعطهم أفضل ما أملوا منك في غربتهم عن أوطانهم ، وما أثروا على أبنائهم وأبدانهم وأهاليهم وقراباتهم ، اللهم أنّ أعدائنا أعابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص إلينا خلافا عليهم ، فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس ، وأرحم تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد الله الحسين عليه السلام ، وارحم تلك العيون التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي جزعت واحترقت لنا ، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا اللهم إني أستودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش فما زال صلوات الله عليه يدعو بهذا الدعاء وهو ساجد ..." رواها شيخ المحدثين الصدوق في ثواب الاعمال ص122 - 123 حديث رقم 44 فصل : ثواب من زار قبر الحسين (عيه السلام) .

"وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا " فأيّ شخص يفهم اللغة العربية يعلم ما هي الصرخة ! ثمّ يأتي من يقول لا تبك بصوت عال ، ولا تلطم على الصدر وما أشبه من هذه الاجتهادات الخاطئة قبال النصّ الواضح.

فهذا هو بعض الواقع المرير الذي نراه متمثلا في الاوساط ، يطبق ما يريده أعداء الدين والمذهب باسم الدين من حيث يعلم أو لا يعلم . وينجر بل يمتلئ فرحاً لمثل هذه الفتاوى من له مصالح في توجهه المنحرف فيسوّق لها وربما يصرف الاموال في نشرها .

ربما نتحدث في الحلقة اللاحقة بمشيئة الله تعالى وعونه أكثر وضوحاً بما قدمناه من عنوان في تعامل المقلدين أو الوكلاء للمرجعية الرشيدة بما يخدم توجهاتهم وميولاتهم الفكرية أو الاجتماعية وإن كانت خلافاً لفتاوى المرجع الذي يقلدونه.

وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الغرّ الميامين.

 

طالب علم