الحلقة الثالثة من سياسة تكميم الأفواه (3)

 

سياسة الاحتواء:

من الأساليب التي يستعملها أصحاب المشاريع ـ التي تسير في واقعها عكس التيار السائد في المجتمع المؤمن والتي تبدو في ظاهرها لطيفة وفي باطنها الخبث والدهاء ـ هي سياسة الاحتواء لمن يخالفهم ويقف في وجوههم ، فما أن يروا أحدا يعكّر مزاجهم ويبيّن حقيقة مشاريعهم وتوجهاتهم المضللة للمجتمع تبدأ في داخلهم ثورة الغضب والطغيان والحنق فيسعون بكل جهدهم لاستعمال عصيّهم وأدواتهم وأذنابهم في إيقاف ودحر وتكميم أفواه كل من يخالفهم .

 نعم ربما يتعوذون من شرّ الشيطان الرجيم ومن عمل فرعون وكل جبابرة الأرض الذين ذمهم الكتاب الحكيم ولكنهم ينتهجون نفس النهج الشيطاني !!! فترى في داخلهم يعشعش الشيطان وربما يبيض ويفرّخ !! ويتربع على صدورهم فرعون وأعماله من حيث يعلمون أو لا يعلمون ، فالممارسات التي يمارسونها ضد مخالفيهم لا تختلف عن أساليب الشيطان وفرعون .

قال جلّ شأنه في وصف التيه الفكري والمعرفي لمثل هؤلاء :﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103)الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) سورة الكهف .

والاحتواء تارة يكون بإغراء المخالف لهم بالأموال ، وإما بمئات الأمتار من الاراضي والعقارات ، وإما بإغرائه بمناصب ربما تكون هامشية وفتاة ، وهذا ما تراه واضحاً جلياً في الأنظمة والحكومات الجائرة (الدكتاتورية) ، فهي تسعى بكل جهدها لاحتواء المخالف لها والمعارض لأنظمتها بإغرائه بمثل هذه الأشياء الدنيوية الزائلة ، ومن ثم تسيطر على تحركاته وتوجهاته المضادة لها فيبقى رهين لتوجهات الحكومة وقراراتها .

وتارة أخرى يكون الاحتواء بغيّة تكميم الأفواه ـ على مستوى الأفراد والجماعات ذات التوجهات المنحرفة ـ بتصنع الاحترامات وربما بسط الموائد له ، والتفوه بألقاب كبيرة تعطى لمخالفهم  والاهتمام به من قبلهم .

أذكر لكم تتمة القصة التي ذكرتها في الحلقة الثانية ـ التي حدثت معي شخصياً ـ بعدما فهمت من الرسالة الأخيرة منهم أنهم يهددوني بعصى السلطة التي تمتلكها هذه المجلة التابعة لهذه الجهة  في نفس الدولة ، وفوراً رددت على رسالتهم هذه بقولي أنا لا أخاف مما أعتقد وأبوح به ... هذا أخر ما ذكرته في تلك الحلقة من القصة ، بعد حدود شهرين كان قد قرب موسم الحج الذي اعتدت منذ قرابة عقدين للتشرف بحج بيت الله الحرام ، رجعت من سفري لبلدي ، وفور وصولي علموا أنني متواجد هناك قربهم فاتصل لي مدير اعمال ذلك الشخص الذي رددت علمياً على افتراءاته  في تلك المجلة ، وقال لي : بعد الترحيب العظيم ـ وكأنه لم يحدث مع مسؤوله أي شيء من قبلي ـ نحب أن نزوركم ... فقلت له تفضل أنا اجلس في المكان المحدد والساعة المحددة ، وفعلا جاء مصطحباً معه شخصية كبيرة تعد في عرفهم الشخصية الثانية بعد كبيرهم ... واصطحب أيضاً معه ذلك الشخص الذي كان يراسلني وهو ليس بذات أهمية وإنما يستخدم أداة لتوصيل رسائلهم ونشاطاتهم اليومية ... علمت من ذلك أن ردي لتهديدهم لي بأنني لا أخشى التهديد المبطن لي أخذ في نفوسهم مأخذا فأرادوا ان يستخدموا معي هذا الأسلوب من الاحتواء لسكوتي عنهم ، وفي صبيحة ذلك اليوم فوجئت أن نفس هذه الشخصية التي رددت عليها في ذلك المقال  أتصلت بي ولم أكن متعودا أن يتصل بي بنفسه ؛ وذلك للهالة الهلامية التي يجعلونها له فهم يعدونه قائداً وغيرها من الألقاب الزائفة وأنا فقير الى ربي طالب علم في الحوزة العلمية ، فأخذ بالتملق والكلام المعسول يقول : أهلا سماحة ... كنت أحب أن أزورك !!! ولكن نحن هذه الليلة مستضيفين شخصيات قادمة من قم تكريما لهم وأنتم منهم ...

قال تعالى : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ(204)وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ(205) البقرة.

وبعد تردد مني في الذهاب خطر في بالي أن اذهب فذهبت فوجدت الكذب مما قال لي ، فالموعد كان مضروبا مسبقاً لشخصيات كثيرة من مختلف المدن وهنالك موضوع يريدون نقاشه فاستغل هذا بدعوتي !!! فما أجد أبلغ من الشعر الذي ربما نُسب للإمام علي عليه السلام : يعطيك من طرف اللسان حلاوة       ويروغ بك كما يروغ الثعلب

 

طالب علم