على يد طفل

عبدالله سعيد القطري

جالسٌ بمفرده مسافراً بعقله بعيدا ، حزيناً على الماضي ، وخائفا من المستقبل أن يكون أشد وطأة ، فتح الدرج وأخرج أوراقه الشخصية ليقلُّبها ، رأى الوثيقة الجامعية وقد مضى عليها سنين عديدة و قد علتها طبقة سميكة من الغبار. استمر في التقليب فرأى شهادة ميلاده ، رفع رأسه و نظر للمرآة وهو يحدث نفسه ، ها قد بلغت العقد الثالث من عمري  بدون عمل و لا زواج .

دُقَ جرس الباب ، ذهب ليفتحه فرأى طفل رضيع ملفوف برداء أحمر ، لم يفهم ماذا يحدث ، ولماذا الطفل هنا، كما و تسائل عن هويته.. أسئلة كثيرة تدور في رأسه عن الطفل لا يجد لها أي تفسير. حمل الطفل إلى داخل البيت و رفع سماعة الهاتف ليطلب رقم صديقه ، أخبره أنه يريده في أمر هام الآن ، أغلق سماعة الهاتف و انتظر قدومه.

بكى الطفل الرضيع ولم يعرف فواز ماذا يصنع لإسكاته، وكيف التعامل معه، خرج و وقف أمام المنزل ورأته امرأة فأخذته منه و أسكتته و أعطته إياه، وصل الصديق ففتح فواز الباب وبيده الطفل، ما الذي بيدك ؟ إبن من هذا ؟ أخبره فواز بما حدث، جلسا يفكرا بحلٍ لهذه المصيبة التي وقعت على رأس فواز .

قررا أن يذهبا للشرطة للإبلاغ ، صعدا السيارة وسارا في طريقهم ، وقفوا لإشارة المرور فرأيا بجانبهم سيارة شرطة، أخبراه عن الطفل ، فأمرهم بأن يتبعوه إلى مركز الشرطة ، وصلا وأبلغا عنه، أخبرهم المسئول بأن هناك عائلة فقدت إبنها ربما هو إبنهم و هي عائلته ، إتصل المسئول إلى العائلة التي أبلغت  ، جاء جواب العائلة وسط ضجيج فرحة و اشتياق إلى المفقود .

وصلت العائلة على أمل أن يكون ابنهم، رأته الأم فضمته إلى صدرها وهي تبكي، تحدث الأب فقال: أرأيت صنيع من أصررت على استقدامها؟ كدنا أن نفقد طفلنا بسببها، أجابته الأم و عيونها تختنق بدموعها: ماذا أفعل ؟ أعمل على تنظيف البيت و تهيئته وحدي ليكون ملاذ راحتك و بناتك اللاتي يكدن يدخلن سن الزواج في خمول و كسل، تعبت من العمل وحدي. 

تحدث الأب إلى فواز يبين له صنيع خادمتهم: الخادمة ليست جيدة على الإطلاق، كل يوم قصة و مصيبة، خذ هذا المثال على أفعالها، في يوم ما أخرجت الأوساخ للخارج بالشارع، هل تصدق ماذا تفعل!؟ رأيتها تفرغ محتويات كيس القمامة على باب جارنا أبو يوسف، و كما ترى فاليوم مصيبتها عظمت و استفحلت لتطال إبننا. 

و الآن أريد أن أرد الجميل يا فواز، كيف لي أن أرد جميلك؟

* لا أريد شيء لم أفعل شي..
* لن أتركك حتى أجزيك، أجاب فواز إذا كان الأمر كذالك ، أنا عاطل عن العمل فهل تستطيع خدمتي ؟ فكر قليلا و أجابه أعطني أوراقك وسوف أعرضه على قسم التوظيف في الشركة التي أعمل فيه علّ أن يكون بها الخير.

أرسل فواز أوراقه لأب الطفل ، مرت أيام  و فواز ينتظر الرد من قبل الشركة ، إتصل والد الطفل وأخبره بقبوله ، جن جنون فواز و أخذت الفرحة و البسمة تشق فمه ، جلس يحدث نفسه و هو يقول يا سبحان الله منذ أيام قليلة كنت أفكر وخائفاً من المستقبل و اليوم يفتح لي ما كنت خائفاً منه أبوابه على يد طفل صغير لا حيلة له؟ شكرا لله ، شكرا لله.