شركاء السجن وشركاء الوطن

كان في غاية القرب من ربه، وكان شركاؤه في السجن في غاية البعد عن ربهم. كان مسلما لله بكل جوارحه، وكان شركاؤه في السجن وثنيين يعبدون أربابا من دون الله. كان على يقين تام لا يتطرق إليه أدنى شك بأنه على الحق المبين، وأن شركاءه في السجن على الطرف النقيض.
ومع كل هذا التباين العقدي والنفسي إلا أنه كان يبحث عن المشتركات بينه وبينهم لينطلق منها في تعامله معهم وحواره ودعوته لهم؛ كان في سلوكه مظهرا من تجليات الرحمة الربانية العامة التي وسعت كل شيء، فقد وردت في شأنه رواية عن الإمام الصادق عليه السلام، تصف سلوكه في السجن بأنه  " كان يقوم على المريض، ويلتمس للمحتاج ويوسع على المحبوس". ولذا صرح له شركاؤه في السجن عن رأيهم فيه بأوضح تعبير يكشف عن عمق ما كان يقوم به تجاههم من خدمات جلى سمتها الرئيسية الإحسان، فانطلقت عبارتهم ﴿ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36) سورة يوسف.
كان المشترك بينه وبينهم الإنسانية والسجن؛ ولذا فقد وجه لاثنين منهم خطابا في منتهى الرقة والروعة يركز على هذين المشتركين قائلا ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ (39) سورة يوسف، ورغم اختلافه في العقيدة معهما،لم ينتقد عقيدتهما بشكل مباشر؛ بل طرح عليهما سؤالا في صيغة استفهام تقريري تضمن رغبته الصادقة في إرادة الخير لهما، فقال  ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) سورة يوسف.
وعندما طلبا مساعدته في تأويل رؤياهما لم يرفض تقديم المساعدة لهما بحجة أنهما على غير دينه ومعتقده، ولم يشترط عليهما أي شيء، وكل ما فعله أنه أرشدهما إلى مصدر ما لديه من علم وفضل تشويقا لهما إلى مصدر العطاء والفيض ﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي (37) سورة يوسف. باختصار، فقد لمس منه الجميع المحبة الصادقة والإحسان الصادق والقول الصادق، وتجلى ذلك في خطاب الساقي له ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ (46) سورة يوسف.
أسوق هذه المقاربة لبعض شركاء الوطن ممن يركزون على نقاط الاختلاف ويعملون على تضخيمها وتهويلها، وممن يستكثرون على غيرهم أن يعامَلوا - على أساس الهوية الوطنية الجامعة- مواطنين كاملي الشراكة في وطن واحد، وذلك بحجة أنهم ينتمون لمذهب آخر أو اتجاه مختلف، وإمعانا في الإقصاء يقومون باختلاق التبريرات الواهية وما يسمونه بالحجج الشرعية التي لا تصمد أمام النقد لشرعنة دعوتهم وسلوكهم، وللأسف فإن هذه التبريرات والحجج تلقى لها آذانا صاغية وتتحول بالتالي إلى ممارسات على الأرض حتى في الأوساط ذات الصبغة الأكاديمية العلمية، ويصبح القبول في الجامعة والتوظيف في القطاع العام والخاص والترقية والوصول إلى المناصب العليا بل والدنيا أحيانا والحصول على الحقوق المشروعة مرتهنا لمزاج هؤلاء وأفقهم الضيق الذي لا يتسع إلا لمن تطابق معهم ورأوا فيه أنفسهم. وفي ظل غياب القانون الذي يجرم بشكل صريح وواضح كل من يحاول انتقاص مواطنية الآخرين؛ فإن الفضاء سيبقى مفتوحا أمام دعوات الإقصاء والتهميش حتى إشعار آخر.
أخيرا أقول لأصحاب هذه الدعوات: أعيدوا قراءة مقطع السجن في سورة يوسف، فلعلكم تستلهمون شيئا من سيرته وتعيدون النظر في مقولاتكم التي يضيق صدرها بكل اختلاف.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 5
1
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 1 / 10 / 2009م - 1:41 م
الاستاذ الفاضل جميل قلمك و ما هو اجمل جمال فكرك و قلبك لانك يوسفي بامتياز طوعت المواعظ اليوسفيه لتفتح لنا افاق مع شركاؤنا في الوطن الواحد الذين نجتمع معهم في دين واحد و وطن واحد و رغم كل هذه المشتركات االكبيره جعلوا منا خصوم لا لشيء الا بسبب انغماسهم في الجاهليه الامويه التي بنيت على الاحقاد و حب التسلط على ارقاب العباد فكان نتيجتها ما دكرته يا استادي من حرماننا من حقوقنا الوطنيه . و لكن ياسيدي نحن ابناء الطائفه الواحده نعيش نفس المشكله فيما بيننا رغم المشتركات و لنفس المسببات بطريقه لا اراديه و لي تساؤول واضح و صريح ما الذي يمنع الاستاذ ابو احمد من التعليق على ما يكتبه شقيقه الاستاذ ابراهيم الشيخ في الموقع الاخر رغم تواصله معاه في هذا الموقع ؟
فالجواب بيدك و لا تعليق و لكن سؤال محب لشخصك .
2
بدر الشبيب
[ أم الحمام - القطيف ]: 1 / 10 / 2009م - 8:16 م
أخي العزيز المستقل:
أستمتع بتعليقاتك المميزة حتى صرت أترقبها، كما يعجبني حسك الوحدوي وحرصك على الترابط والانسجام الداخلي بين أبناء الطائفة الواحدة.
أشكرك على مشاعرك الفياضة تجاهي وأبادلك الحب بالحب، وأقدر فيك صراحتك المعمدة في نهر الود والاحترام.
بالنسبة لسؤالك عن عدم تعليقي على كتابة شقيقي وحبيبي العزيز الأستاذ ابراهيم الشيخ في الموقع الآخر، فأود أن أوضح لك بكل شفافية أن ذلك لم يكن بقرار مني أو موقف مسبق تجاه الموقع، فأنا أعتبر الجميع إخواني وأثمن جهودهم.
ولعلي كنت غافلا عن شيء فنبهتني إليه إلا أنه لم يكن متعمدا بحال من الأحوال.
بالطبع لا أستطيع أن أكون مثلك حضورا وتفاعلا ومشاركة ولكني سأستفيد من إشعاع تجربتك.
تحياتي لروحك الطيبة.
أخوك ومحبك.
3
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 2 / 10 / 2009م - 12:22 ص
عزيزي الودود : المستقل
أتفق تماماً فيما اوضحه إليكم الأخ العزيز : أبو أحمد ( وفقه الله وإياكم ) وأريد أن ألفت الإنتباه إلى شيئ مهم وهو : إن ما يحصل من تعليق متبادل بيني وبين الأخ بدر ، إنما هو خارج نطاق الأعراف الثقافية ، إذ يندر أن يقوم كاتب بالتعليق على كاتب آخر في نفس الموقع مالم يكونا على درجة كبيرة من الوعي والمسؤولية الإجتماعية بعيداً عن مربع قطف النقاط ، والسباق المحموم .لا سيما وكلانا يقوم بالتعليق على ما يكتبه الآخر بإسمه الصريح ، وأنت ( أيها المستقل ) حظيت بما تستحق من محبة وتقدير من الجميع لجرأتك ومكاشفتك اللطيفة ، وأرجو أن يقدر لك الآخرون ذلك . وشكراً للأخ أبو أحمد على مصداقيته التي لا تبور . أما أنت فستظل الرقم السري لمودتي .
4
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 2 / 10 / 2009م - 6:49 م
تحية حب و اعتزاز لكل من الاستاذ ابو احمد و الاستاذ ابو علي و اتمنى أن اكون عند حسن ظنكم فأنا تلميذ صغير في مدرستكم فمن هو مثلي يتعلم في حضرتكم .
ما أحببت أن أوكد عليه ثقة مني بوعي و رجاحة عقل الاستاذ و الاديب أبو احمد و ما يحمله من حب للجميع بادرته بهذه المكاشفه رغم اني كنت افضل ان تكون المكاشفة بيني و بينه و طلبت بريده الالكتروني من ادارة الموقع الموقرين و لكن لم اوفق لهذا و رغم حصولي عليه من شخص اخر و لكن لا يمكنني أن اباذر بمراسلته بدون اذن سابق من الاستاذ العزيز .
و لكم مني الف تحية معطرة برائحة الحب و الاخاء و دمتم متفضلين علي بثقتكم و حبكم فأنتم البئر الذي ارتوي منه و لايمكن لبئر العطاء ان يجف يوما من الايام .
5
ابراهيم بن علي الشيخ
[ القطيف - أم الحمام ]: 2 / 10 / 2009م - 10:40 م
الحبيب في الله : المستقل
مشاعرك لا يرقى إليها الشك ، وعرفناك من خلال قلمك الذي هو مرآة فكرك ، ومكاشفتك للأخ : بدر ، عبر الموقع لا تقلل من قيمة الهدف الذي تسعى إليه ، ولقد كان الأخ : أبو أحمد عند التطلعات وهذا ما هو متوقع منه ، أما أنت أيها الطيب فستبقى العامل المشترك الأعلى الذي يقبل القسمة على كل المقامات ، كما في لغة الرياضيات التي لا أجيدها في أحيان كثيرة وكادت تكون سببا في تسربي من المدرسة في يوم من الأيام ، ولكن أبو ابراهيم ( رحمه الله ) كان واعياً لألاعيبي . وتقبل تحياتي
شاعر وأديب