ديمقراطية العراق أم لبنان ؟

 

 

 

 

في أبريل الفائت مرت الذكرى التاسعة على دخول القوات الأمريكية بغداد ، و إسقاط نظام صدام حسين ، فماذا حصل بعدها ؟

و ما الذي جرى لأحد أكبر الأوطان تاريخا و حضارة ؟

هل حقا نشرت الولايات المتحدة الديمقراطية في أرجاء العراق ، قبيل انسحاب قواتها نهاية العام  الماضي ؟

يبدو أن الصورة ضبابية إن لم تكن معتمة جدا ، فالوطن ممزق لتيارات و أحزاب طائفية متناحرة ، بعد أن كان العراقي لا يعرف طائفة أبويه هل هما سنة أم شيعة ؟

تقول أحدى الشخصيات العراقية المعروفة : " لم أعرف إلا الآن ، إن أمي سنية حيث أنها من سامراء ، و أبي كان شيعيا من الكاظمية .... ما كنت أود أن أعرف هذا " .

كما أن هذا الوطن العريق ، يئن من أمراض الفساد و السرقات التي عادت حديثا يوميا ، فهو يعاني أيضاً من سوء الخدمات و البنية التحتية المتهالكة ، و عدم التوزيع العادل للثروات ، و احتكار السلطة ، و الولاء للخارج على حساب الوطن ، و المتاجرة بالدين في الشأن الإنتخابي ، كمثل  شعار " انتخب يابن العقيدة  للإئتلاف العراقي " !

فهل خرج العراق من دكتاتورية الفرد ، إلى دكتاتورية الأحزاب و الجماعات الطائفية ؟

 

أظن و ليس كل الظن أثم أنه كذلك ، فالساحة السياسية تشهد اليوم صراعا عنيفا ، فالمسؤول يستقوي بطائفته و بالخارج ضد خصومه ، و ليس بكفاءته و صلاحه و بصندوق الإقتراع الذي أوصله للسلطة .

فرئيس الوزراء يجري جريا لطهران لتقوية نفوذه ، بينما نائب رئيس الجمهورية المتهم ، يحط الخطا في الرياض و أنقرة و الدوحة ، عدا من يسلك طريق الولايات المتحدة ، و كل ذلك يتم باستقطاب طائفي مقيت !

إذا كان صدام عشائري و استبدادي ، فحكام اليوم طائفيون و نفعيون ،  فما الذي يجعل نوري المالكي يهلل لاحتلال القوات الأمريكية العراق في 2003 ، و يمجد إسقاط النظام حينها ، بينما يتوعد و يحذر و يرفض سقوط نظام دمشق اليوم ؟ فهل هذا أفضل من ذاك ؟

أنها بلا شك الإنتهازية في أبشع صورها ، المغلفة بالطائفية البغيضة .


أما لبنان الجميل فسياسة الإستقواء بالخارج عنوان عريض فيها ، و الحجة أن لبنان بلد صغير ، و يحوي العديد من الطوائف ، فلا يمكنه النأي بنفسه عن ما يحصل حوله ، و النتيجة أن صارت أرضه مستباحة للشرق و الغرب ، و أضحت أجهزة المخابرات لعدة دول إقليمية تسرح و تمرح ، بعمليات الإغتيال و التنصت .

و الحقيقة أن هذا الوطن أبتلي بمجموعة من السياسيين الأفاقين ، من كلا الفريقين 8 أو 14 آذار ، فالطائفية و تقاسم المغانم من كعكة السلطة هي الواجهة ، أما أعماقه فمتشعبة ، منها : السرقة و هدر المال العام ، و هجرة العقول و ارتفاع نسبة خط الفقر ، و هي مشاكل حلولها مستعصية في الوقت الحاضر .


إن العراق و لبنان ، مرمى هدف دائم لأنظمة الجوار حتى إشعار آخر ، فالعراق جيرانه لا يريدونه قويا أبدا ، حتى و إن ادعوا عكس ذلك ، فعراق اليوم الذي يسوده التطرف و التفكك هو جل ما كانوا يحلمون به !


و لبنان يسعون لجعله مرتهنا لهم دوما ، بالمال حينا ، و تغذية الطائفية حينا أخرى ، و بالسلاح أحيانا أخر .

 

بالطبع – لا توجد دولة أو نظاما مثاليا في العالم ، و دولة أفلاطون تعتبر من الأحلام الوردية ، في مخيلة أصحابها فقط ، لكننا بالتأكيد نسعى للأفضل حاضرا و مستقبلا ، و ليس عيبا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون ، فالديمقراطية الغربية رغم عيوبها و مثالبها ، و قيامها على الرأسمالية البحتة فقط ، إلا إنها تحوي العديد من الإيجابيات ، و التي نراها متقدمة علينا نحن في الشرق بمراحل ، أخشى أن أقول إنها سنوات ضوئية !!

فهزيمة الرئيس الفرنسي نيوكولا ساركوزي في الإنتخابات الرئاسية مؤخرا ، ثم إقراره بكل ثقة و مسؤولية بخسارته ، و قيامه بتهنئة منافسه الفائز فرانسوا هولاند  ، تدل على الثقة في النظام الديمقراطي ، فلم نشهد أنه وصف العملية الإنتخابية بالتزوير حين هزم فيها ، بينما هذه الحالة المأساوية شهدناها في الإنتخابات الرئاسية الإيرانية 2009 ، و مرشحة للحصول في الإنتخابات الرئاسية بمصر نهاية هذا الشهر .

من الأكيد و الضروري بمكان ، إعادة صياغة بعض المفاهيم ، و دحرجة بعض الأسس غير الصحيحة ، فالموروث الثقافي العربي يعاني من جمود و أحادية و شخصنة حلولها بعيدة المنال .


رغم هذه الصورة القاتمة عن وضعي العراق و لبنان ، فمن الإجحاف نكران وجود بعض النقاط المضيئة فيهما ، فالحرية النسبية التي يعيشهما المواطن ، تجعله متقدما في مجال الإعلام و الصحافة و ثقافة المطالبة بالحقوق ، كما أن قيام النقابات العمالية و الحزبية لها دور جيد في تجاوز ماضي الخوف و الصمت .


للتنوع الفكري و السياسي في كل من العراق و لبنان ثماره أيضا ، على مستوى الطائفة أو الوطن ، فهي أخرجتهما من حالة الشمولية و سيادة الفكر الواحد ، التي تعانيها دول الشرق الأوسط اليوم ، فلبنان مثلا – على المستوى الشيعي ليس فقط حزب الله ، بل هناك حركة أمل و التيار الشيعي الحر و حزب أحمد الأسعد و آل الأمين و تيار صبحي الطفيلي و غيرهم ، كما أن السنة ليس فقط تيار المستقبل ، فهناك الجماعة الإسلامية و الأحباش و دار الفتوى و غيرها .

و جميعها تعطي تنوعا و زخما و حركة يحتاجها المتلقي ، فقط يكون المحك على البقاء تحت سقف القانون ، و المبادئ الأخلاقية التي وضعها الرسول الكريم ، و أهل بيته الكرام .


فالنقاش و الخلاف في مظلة الوطن ، و في إطار القوانين المنظمة للحريات و الإبداع ، التي لا تقصي أحدا ، و لا تفصل على مقاس شخصية أو جماعة معينة ، أمر يسعى له كل يملك الموضوعية و الرأي المستقل .


لكم مني شديد المحبة . 

 

معلم اللغة العربية