شياطين الحج وشياطين السياسة

 

 

 

تسألٌ يثيره البعض عن مقاصد وجود منسك رمي الشيطان بالجمرات، وما علاقة ذلك بشياطين البشر؟.

 قد يختلط الأمر على بعضنا خلال عملية الفرز بين شياطين الحج وشياطين الحياة لاسيما شياطين السياسة أعاذنا الله منهم، ولكن الأكيد أن هذه الشياطين لا تنجح في عملها ما دامت شياطين النفس مُسيطر عليها.

فنجاح شياطين الساسة ليس مصدره قوتهم، بل مصدره ضعف المُساس، وهم الناس.

العكس صحيح أيضاً، لأن الحج ما هو إلا محطة لتعزيز إرادة الأمة وإعادة ترميمها.


شياطين الحج المتمثلة في الجمرات الثلاث، الصغرى والوسطى والكبرى، ما هي إلا عملية ترميزية وتقريبية للمرء لعله يتدارك حاله ويكتشف الشياطين المحيطة به من المستويات الثلاث.

فالشياطين، في هذا الزمان، تكاثروا وتناسلوا حتى أمسوا متواجدين في كل حدب وصوب.

شياطين الاقتصاد يهيمنون على شياطين السياسة، وشياطين السياسة يؤثرون على شياطين الاجتماع، وشياطين الاجتماع يضحكون على شياطين الزنقة- زنقة، وهكذا دواليك. العكس يحدث أيضاً بشكل تصاعدي من شيطان الزنقة- زنقة إلى شيطان المال.

من أهداف الحج الكبرى تحقيق فلسفة العبودية في النفس. هي تطبيق واقعي لقوله تعالى: "وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون" 56 الذاريات، حيث "إن الغرض الأصلي من خلق الإنسان معرفة الله، والوصول إلى درجة محبته والأنس معه، وهذا أمر موقوف على صفاء النفس وتجردها"، وهذا لا يتحقق إلا بـ" الابتعاد عن الشهوات الطبيعية وكف النفس عن اللذات الشهوانية" كما يقول أية الله دستغيب في الذنوب الكبيرة ج2ص223.

لذا فإن شياطين الحج ما هي إلا صورة توضيحية وتعريفية للمرء لعله يتنبه فيتدارك نفسه كي ينجح في إدارة شياطينه التي تتغذى منه ويتغذى منها، شياطين الهوى، شياطين العقل، شياطين القلب.

لذا فإن مفتاح نجاح شياطين الحياة وشياطين السياسة على الإنسان والمجتمعات تكمن بدايته عند فشل المرء في مواجهة شياطينه الذاتية.

نفس المرء هي الأرضية التي يحاول الساسة اختراقها لتمرير أجنداتهم.

كم من أجندات فشلت بقوة إرادة أصحابها.

وكم من أجندات نجحت بضعف إرادة أصحابها.

ومبعث الضعف والقوة في الإرادة محوره قرب أو بعد المرء والمجتمعات من الله سبحانه وتعالى.

القرب من الله يحتاج إلى توجه ذاتي، فردي وعام، يسهم في بناء تلك الإرادة الجمعية التي تتحول إلى سد منيع ضد ما يفرق الأمة.

الحج من أبرز المحطات التي يقترب فيها الفرد، وتقترب فيها الأمة من الله سبحانه وتعالى.

يعود ذلك، كما يقول دستغيب، لكون " بعض العبادات عبارة عن بذل المال في سبيل الله ، وهو أمر يبعث القلب على الانقطاع عن متاع الدنيا، مثل الزكاة والخمس وسائر الصدقات، وبعض العبادات يتضمن ترك الشهوات واللذات مثل الصوم، وبعضها يشتمل على ذكر الله وتوجيه القلب إليه وإشغال الأعضاء في العبادة مثل الصلاة، بينما الحج هو من بين جميع العبادات يحتوي على جميع تلك الأمور مع زيادة، ففيه ترك الوطن، ومشقة البدن، وبذل المال، وقطع الآمال، وتحمل المشاق، وتجديد الميثاق مع الله..

وفيه أمور لم يعتد الناس عليها ولم يألفوها، ولا تدرك العقول حكمتها، مثل رمي الجمرات، والهرولة بين الصفا والمروة" الذنوب الكبيرة ج2ص223-224.

يقول طاووس اليماني: رأيت علي بن الحسين يطوف بين العشاء والسحر ويتعبد، فإذا لم يرَ أحداً رمق السماء بطرفه وقال: " الهي، غارت نجوم سماواتك، وهجعت عيون أنامك، وأبوابك مفتحات للسائلين، جئتك لتغفر لي وترحمني وتريني وجه جدي محمدٍ في عرصات القيامة" ثم بكى وقال: " أما وعزتك وجلالك ما أردتُ بمعصيتي مخالفتك، وما عصيتك إذ عصيتك وأنا بك شاك، ولا بنكالك جاهل، ولا لعقوبتك متعرض، ولكن سولت لي نفسي، وأعانني على ذلك سترك المرخى به علي، فأنا الآن من عذابك من يستنقذني، وبحبل من اعتصمُ إن قطعت حبلك عني..."الإمام علي بن الحسين، أعلام الهداية:6/138-139.

كاتب وباحث