نهاية عصر الوصايات

 

قبل أيام، وبالتحديد في يوم الأحد 23/10/2011 م، وضعت الثورة التونسية مولودها البكر بعد تسعة أشهر من الحمل الذي تأخر عنها خمسة وخمسين عاما، أي منذ استقلالها عام 1956 م.

الانتظار كان طويلا حتى كاد اليأس يتسرب إلى نفوس المنتظرين، وكان الثمن الذي دفعه الشعب التونسي باهظا كي يعيد لتونس شبابها؛ ولكنه كان ضروريا لتصبح قادرة على الخصوبة والإنجاب.

دعي إلى المشاركة في ولادة المولود الأول أكثر من سبعة ملايين ناخب لاختيار 217 مرشحا - من بين أكثر من 11000 مرشح في أكثر من 1500 قائمة انتخابية - لعضوية المجلس التأسيسي المكلف صياغة دستور جديد للبلاد في مرحلة ما بعد الثورة التي أطاحت بنظام الديكتاتور زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011 م.

 المشاركة الواسعة في الانتخابات التونسية الأولى بعد الثورة – والتي شارفت نسبة 90% - كانت مؤشرا على دخول تونس عصرا جديدا لم تعهده من قبل. فكل الانتخابات التي جرت منذ الاستقلال كانت شكلية ومحسومة النتائج سلفا تقررها السلطة وفق مزاجها ومصالحها. أما في هذه الانتخابات فإن الناخبين يشعرون بحق أنهم أصبحوا أخيرا قادرين على ممارسة خياراتهم والمشاركة في صنع مستقبل وطنهم، وأنهم هم المسؤولون عن ذلك، وليس من كانوا يسمون بالمسؤولين وما هم بمسؤولين.

هذا الحدث يمثل بالتأكيد مرحلة تاريخية فاصلة كما مثل حدث الثورة ذاته، وسنشهد له انعكاسات إيجابية كبيرة على مجمل الوضع السياسي العربي. إنه يمثل بداية النهاية لعصر الوصايات على شعوب المنطقة التي أصبحت تدرك شيئا فشيئا أنها كانت مغيبة طيلة العقود الماضية عن مراكز القرار، وأنه آن الأوان كي تأخذ زمام المبادرة وتعلن بأنها بلغت من الرشد ما يكفي لممارسة ولايتها المشروعة على نفسها؛ هذه الولاية التي يقرها العقل والشرع وكافة القوانين والمواثيق الدولية.

بالتأكيد فإن الوقوف في وجه الحركة الجديدة المنبعثة في الأمة لن يصمد طويلا، لأن الحكمة المجربة تقول: القسر لا يدوم. فقد قاومت الكنيسة مثلا الحريات في أوروبا القرون الوسطى؛ قاومت حرية العقيدة بإقامة محاكم التفتيش الرهيبة، وقاومت حرية الفكر بتحريم تداول الكتب التي تخالف وجهة نظرها، حيث كان البابا يصدر قائمة سنوية بأسماء الكتب الممنوعة المحرم طباعتها وتداولها، ولكن النهاية كانت مأساوية بالنسبة للكنيسة حيث هزمت وانتصرت الحريات لتصنع واقع أوروبا الحديثة.

تشبثت الكنيسة بفكرة ثبات الأرض وأنها لا تدور، وأرغمت جاليليو على قول ذلك حفاظا على حياته، وفي الأخير بقيت الأرض تدور وبقي جاليليو، وذهب القائلون بقدسية قضية ثبات الأرض.

وهكذا ينبغي أن يعي أولئك المصرون على استمرار القسر والإكراه بأن مسيرة التغيير قادمة، وأن دوام الحال من المحال. هذا هو منطق التاريخ لمن أراد أن يدرك أو يتدارك، وأما من لا يتقن فن الإنصات والقراءة الواعية للأحداث فسيكتشف متأخرا ما اكتشفه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في الوقت الضائع حين قال عبارته المشهورة: أنا فهمتكم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
محمد العبد العال _أبو جواد
[ أم الحمام ]: 27 / 10 / 2011م - 2:15 م
الشباب لايعرفون القراءة فضلا عن نصحهم بها
شاعر وأديب