التحدِّي الإيجابي


إنّ إسلوب استجابتنا للمضايقات والمُنغِّصَات التي تقدمها لنا حياتنا اليومية، مثل : خيبة الأمل، والإجحاف، والرفض، والخيانة، والمواعيد التي لم يتم الوفاء بها، والمكالمات البائسة التي لا يمكننا الهروب منها، والقلق المالي، والطقس السيء، والإختناقات المرورية، والتمييز في تقديم الخدمة، والمواعيد النهائية، تُمثل أفضل عامل تنبُّؤ ليس فقط للطاقة الهادئة، بل أيضاً للصحة النفسية والجسدية مقارنة بردود فعلنا تجاه أزمات الحياة الكبرى.

إنها ليست فقط الضغوط الكبيرة – الزواج، وتربية الأبناء، وتغيير مقر العمل، ووفاة أحد الأصدقاء أو الأقارب، والمرض، وغيرها.. – هي أيضاً تزيد من أعباء الضغوط التي نتحملها، بل هي الحياة البائسة التي يعيشها الملايين في هذا العالم الفسيح ولست أنت بمفردك، وعليك أن تُحسِّن من نظرتك للأحداث التي تقع لك في مشوار حياتك، وليس عليك أن تتجاهل الصراعات اليومية التي تجتاح مناخك الشخصي، إنما يتوجب عليك أن تتعامل معها بوعي ومسئولية لئلا تتضخم وتتسع وتتسبب في مشكلات زاحفة على الأمد البعيد، وتجعلنا نهرم قبل الأوان.

إنّ طريقة تعاملك مع عقلك وعواطفك في اللحظة الأولى من مواجهة التحديات تحدد النتيجة النهائية المرتقبة إلى حدٍ كبير، ففي اللحظة الأولى من الأزمة أي أزمة كانت، يستجيب الجهاز العصبي وتتخذ الإستجابات شكل الشلل الناتج عن الرعب بدلاً من الإستجابة الإيجابية. 

إنك إذا استرجعت شريط حياتك ونظرت إلى الأوقات التي كان رد فعلك فيها على المواقف ضعيفاً، ستجد إنه من الواضح عادة أنك قد فكرت بوضوح أكثر، وببصيرة أعمق في اللحظات الأولى من الأزمة ( كبيرة كانت أو صغيرة ) ولذلك كان بإمكانك أن تختار إستجابة أفضل حينذاك، وأن تحتفظ بهدوئك وأن تدخل الطاقة الإيجابية إلى أعصابك، وأن تؤثر في البيئة الخارجية عوضاً من أن تستسلم لها وتبعثرك في أدراج الرياح. 

كن صبوراً مع نفسك، لأنّ مواجهة التحديات الصعبة تحتاج منك إلى تدريب مستمر قبل ان تحوز مهارة التعامل معها بسهولة، وكن على ثقة تامة بأن صعوبات الحياة لن تنتهي، وإن الأمور وإن كانت على خير ما يُرام فهي ليست كما تشتهي في جميع الأحوال، وإن الفقدان الكامل للسيطرة لا يحدث إلاّ في القليل جداً من المواقف، المهم هو أن تستثمر الطاقات الكامنة، والقوى الخفيّة في داخلك، والمضادات الطبيعية التي أودعها الباري جلّ شأنه في أعماقك المستترة.

لا تترك الشعور بالعجز يجتاحك دون رحمة، ولا تتخذ من نفسك عدواً لذاتك، تأكد من أنك على الأقل في كل موقف تقريباً لديك دائماً درجة ما من السيطرة والتحدي الإيجابي، وإن احتفاظك بشعور السيطرة والتحكم يُحسِّن من مستوى قدرتك على إمتصاص الصدمة الأولى لتحديات الحياة التي لن تستكين ما دُمت حياً، وليس هذا فحسب بل سيساعدك في تحقيق أفضل استفادة من مواقف الشِّدة، وبعدها لن تسأل ماذا يتوجب عليك فعله، لأنك أصبحت فقيه ذاتك، وأستاذ نفسك بإمتياز.    

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
فائق المرهون
[ القطيف - أم الحمام ]: 21 / 10 / 2011م - 2:55 م
ما أقوى الإنسان و ما أضعفه ، كبرياء كاذب ، و جنوح ذاتي نحو الإنانية ، و لكنه ينهزم في أصغر الأمور ، فيسقط كالورقة مع هبات الخريف !
من يملك هذا التحدي ؟
أضحت السلبيات كالتيار الجارف ، الذي لا يمكن الوقوف أمامه ..... رفقك اللهم .
أيها الأستاذ الوقور ... بوح كلماتك عطر فواح ، دامت ألطافه عليك .
2
ابراهيم بن علي الشيخ
22 / 10 / 2011م - 6:57 م
الأخ الحبيب الأستاذ : فائق المرهون
نعم .. لا مخلوق غير الإنسان يحمل هذه المتناقضات ، ومن هنا فإن التحدي الإيجابي يكمن في إدارة تلك المتناقضات دون خسائر . وهذا ما أحسب أنك تمتلك مهارته بإمتياز . دام تواصلك في وداد .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية