الشعوب بين الممانعة والمسالمة


مبعث كتابة فكرة هذا اليوم هو ما حدث في مصر في "جمعة التصحيح"، قبل ثلاثة أسابيع، حيث هاجم المتظاهرون السفارة الإسرائيلية فاضطرت تل أبيب لسحب سفيرها وأكثر العاملين في سفارتها. حينها اشترط المتظاهرون للإفراج عن الإسرائيليين الثلاثة قطع العلاقات مع إسرائيل ببيان رسمي وطرد السفير الإسرائيلي وسحب السفير المصري من تل أبيب. يومها قال بعض ساسة مصر الجدد: "على إسرائيل أن تعرف أن مصر قبل الثورة مش مصر بعد الثورة. وما حصل اليوم هو تعبير عام عن رفض لإسرائيل ورفض للعلاقة معها". أما في سورية فهناك أنباء قد تسربت عن وجود تطمينات أوربية لإسرائيل عن مصادر سورية معارضة مفادها بأن لا خشية على إسرائيل من النظام القادم في سورية.

المقصود هنا من الممانعة والمسالمة هو التوجه ضد إسرائيل كدولة ممانعة أو مقاومة مثل سورية قبل الثورة الحالية، أو التوجه للسلام وإقامة العلاقات الطبيعية مع إسرائيل مثل مصر قبل سقوط حكومة حسني مبارك. الممانعة والمسالمة هما خطان متباينان ومتضادان ساهما في وجود جبهتان عربيتان، جبهة للممانعة تقودها سورية ولها تأييد في صفوف التيارات العربية والإسلامية، وجبهة سلام تقودها مصر ولها أيضاً تأييد في صفوف التيارات العربية والإسلامية. لذا فإن أي تغيير في أحد الجبهتين، أو فيهما مجتمعين، سيؤدي إلى تغييرات غير مقروءة حالياً على مستوى المنطقة العربية والإسلامية.

ليس ما تحبه الشعوب وتؤمن به فقط هو المعيار الذي يحدد ضرورة الممانعة أو ضرورة السلام، أو ما تكرهه وترفضه، بل المعيار هو مصالح الأوطان والشعوب. لا يمكن الجزم نهائياً بأن الشعب المصري يريد الممانعة والمقاومة لأنه لم يجني شيئاً من السلام مع إسرائيل. كذلك لا يمكن الجزم نهائياً بأن الشعب السوري يريد السلام مع إسرائيل لأنه لم يجني شيئاً من الممانعة ضد إسرائيل. لا شك بأن الشعوب هي الورقة الأقوى في معادلة الثورة، ومعايير الشعوب هي الورقة التي ستحدد طبيعة الأنظمة القادمة من خلال المخاضات الجارية على الأرض وما سيفضي إليه الصراع والتنافس بين القوى المؤثرة في هاتين الساحتين.

نعم، الشعوب تبحث عن ما تفتقده دائماً. ودائماً ما تتململ الشعوب من جمود أوضاعها. وهي حقيقة قد تدفعها لرفع شعارات أكبر مما تريد فعلياً، الأمر الذي يجعل مطالب الشعوب آنية وحادة في طرحها، تنظر بمنظار اليوم، لا بمنظار يتطلع للمستقبل. لذا تصبح مطالب الشعوب محكومة بما تحب وتكره، ومبعثها من جهة أولى المعاناة واليأس من الحال القائم، ومبعثها من جهة أخرى الأمل بحال أفضل بغض النظر عن وضوح المستقبل المنشود أو غموضه.

تصرفات الشارع المصري اليوم، وما صدر من مؤشرات عن مواقف وتصريحات ساسة مصر اليوم تشي بوجود تحولات تجاه إسرائيل مثل إعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل وفي اتفاق تزويدها بالغاز المصري، وأن اتفاقية كامب ديفد ليست كتاب مقدس، والنظر لمنطقة سيناء على قاعدة تنموية لا على قاعدة أمنية...جميعها يؤكد عدم الاستمرار في منهج السلام مع إسرائيل. هناك من يحاول عكس ذلك، وسيحاول هؤلاء في الوقت الحالي طرح عناوين بديلة مثل "الممانعة المعتدلة" كخطة عمل بديلة عن السلام الكامل، وهو أمر شبيه لما تمارسه حالياً تركيا تجاه إسرائيل. ولو نجحت الثورة السورية في تغيير النظام سيطرح لها حال بديل هو أشبه لما يمكن تسميته بـ "السلام المعتدل". يبدو أنه لن يطول انتظارنا لمعرفة ما ستئول إليه الأمور. فلننتظر.

كاتب وباحث