لعبة الشطار في الربيع العربي

 

قال صاحبي: ماذا حصدت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين؟ ها هي الأوضاع من سيء إلى أسوء في هذه البلدان! لماذا ننجر وراء عواطفنا وحماسنا أكثر من إتباعنا لعقولنا؟ لماذا نغالط أنفسنا ونسمي ما يحدث في هذه البلدان "ثورة"؟ ألا نعلم جميعاً بأن هناك أبجديات لما يسمى بـ "الثورة" وهي غير متوفرة فيما حدث ويحدث في هذه الدول؟ لماذا نشجع هذه الشعوب في إعلامنا على الاستمرار في الخروج للشوارع؟ لماذا نعطي أعداءنا فرصة للتلاعب بمقدراتنا ومستقبلنا؟ هل الثورة "لعبة"؟ فلا مجال بعدها للتوقف كما كنا نفعل ونحن أطفال فيقول من شاء منا (لعبنا وبطلنا)!

استرسال صاحبي لا يعني تفرده بهذا الرأي، فلدينا في العالم العربي والإسلامي نخب سياسية وفكرية ممن يتبنون هذا الرأي بالتلميح تارة وبالتصريح أخرى، فكما أن هذا الرأي لا يخلو من الصواب، هو أيضاً لا يخلو من الاشتباه في التشخيص. من جهة أخرى أليس من الحكمة التريث في إطلاق الأحكام النهائية على مآل مجريات الأحداث في هذا البلد أو ذاك. لذا لن أجيب على جميع علامات الاستفهام التي طرحها صاحبي، ولكن توقفت كثيراً عند سؤال منها وهو: هل "الثورة" لعبة؟

في البدء نُقر بأن الثورة ليست لعبة، ولا يمكن وصف من يقومون بالتظاهر في هذه البلدان بأنهم يقررون سلفاً الدخول في لعبة يدفعون ثمن تذاكر الدخول فيها من دمائهم وأرواحهم، فإن قلنا بذلك فإننا ننكر أن للشارع العربي وشبابه مطالب مشروعة وحقوق مسلوبة، أو إننا راضون على أوضاعنا السياسية والتنموية والديمقراطية في عالمنا العربي والإسلامي.

مشكلة هذه الثورات أنها تواجه معضلة "اللعبة السياسية" إن صح التعبير، وهي لعبة أكبر، في مساحتها ودوائر التداخل والتعقيد والتأثير فيها، حسب الظاهر، من قدرات القوى الشبابية المحركة للثورة. هي لعبة سياسية، وبالتالي في السياسة أوراق عديدة يستخدمها السياسيون في كل ملف وقضية، وتتباين مواقفهم منها بحسب حجم مصالحهم فيها، أو بحسب تمسكهم بالثوابت السياسية، أو بحسب قربهم وبعدهم من القيم الإنسانية والمبادئ الأخلاقية.

على الضفة الأخرى نجد الشباب العربي جديداً على تجربة العمل السياسي، وهو بحاجة إلى بناء جسور الثقة مع اللاعبين المتعاملين معه في سكك السياسة ودهاليز الساسة. لا نشك بأن الشباب يتعلمون بشكل جيد يومياً وقد تطوروا سياسياً، ولكن هذا التطور هل بلغ حد فهم وتدوير أنواع الألعاب السياسية واستثمار الأوراق السياسية المتاحة والممكنة؟

في العمل السياسي هناك ما يمكن تسميته بـ "اللعبة السياسية" منها: لعبة عامل الزمن في اليمن، ولعبة التحالفات في سوريا، و لعبة المعادلة الدولية في ليبيا، و لعبة موازين القوى الداخلية في الشارع التونسي، و لعبة القبائل والطوائف في البحرين. قد تتداخل تلك الأنواع والأوراق كما يجري في مصر فيما يمكن تسميته بلعبة الأوراق الرابحة في مصر، فبينما يلعب أنصار النظام السابق ومعهم المتضررين من نجاح الثورة من باب لعبة الزمن، فهم يعتقدون بأن إطالة مرحلة ألا استقرار اجتماعياً وسياسياً وأمنياً تصب في قناة تشويه الثورة والثوريين وبالتالي نفور الجماهير عنهم وعن مطالبهم.

يحتاج شارع الربيع العربي أن يستوعب تلك اللعب والأوراق. فهناك نخب حاكمة لديها تجربة طويلة وواسعة لكنها تفتقد الرؤية تارة، وتارة أخرى مقيدة بمصالح إقليمية ودولية، وهناك نخب فكرية وسياسية وحزبية قادمة من جيل محبط بالهزائم والانتكاسات، وهناك دول إقليمية تعمل على تجنيب المنطقة هزات قد تعود تبعاتها على مصالحها وعليها، وهناك جهات دولية تبحث عن مصالحها وحجم استفادتها من هذا الحراك أو ذاك تحت غطاء حقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة.

الثورة ليست لعبة، ولكن معادلاتها قد تحولها إلى لعبة سياسية يجرها كل لاعب نحو قرصه. ومن ثم تصبح لعبة الشطار الذين سينتصرون فيها بمعرفتهم في تجيير الألعاب واللاعبين نحو مصالحهم. فهل يدرك شباب ثورات الربيع العربي ذلك؟ فلنتأمل وننتظر.

كاتب وباحث