كش ملك

 

لم تستقر ثورات الربيع العربي بعد، سواء في تونس أو مصر حيث سقط الحاكم فيهما، أو في ليبيا حيث ينازع القذافي ليستعيد ترتيب صفوفه وفلوله، أو في اليمن حيث لم تهدأ عمليات الكر والفر بين حشود الشارع وحشود النظام، أو في سورية حيث لم يتوقف قطار التظاهر بعد عن الحركة والتنقل بين الجزر السورية المتقاربة، أو في البحرين حيث يُعلق كل طرف آماله على أن يتفهم الآخرون مطالبه وحاجاته، ناهيك عن حراك شوارع عربية أخرى يعلم الله وحده متى وأين وكيف ستكون.

نعم هناك زلزال قد حدث، قلب السكون وحرك الجمود، ويتفق الجميع على أن صورة الواقع القائم ومضمونه سيتغيران، ولا نأتي بجديد عندما نقول بأن حال هذه الشعوب وبلدانها لن يعود لما كانت عليه الأمور قبلها سياسياً وثقافياً واجتماعياً، لكن يبدو من الصعب التكهن بالمآلات التي ستنتهي إليها أو الأشكال التي ستفضي إليها، لأن نتائج حراك تلك الشوارع لا تزال قيد التصنيع، إن جاز التعبير. في كل بلد منها هناك مخاض مستمر بين الأطراف المتنافسة والأطراف المؤثرة والأطراف المتمصلحة، وهي حالة طبيعية وفق الظروف السائدة.

منذ 14 يناير، أي قبل ثمانية أشهر، يوم هروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي مروراً بسقوط الرئيس المصري حسني مبارك حتى اليوم، لم تستقر الأوضاع نهائياً في تونس ومصر. أما في اليمن، التي سبقت ليبيا في حراكها بأشهر، فلا تزال الأبواب مواربة لدخول مبادرة خليجية من هنا، أو حصول يأس عام عند الشارع والنظام، أو تتطور تكتيكات الصراع لتبقي النظام أو لتنجح الثورة.

أما في ليبيا فالأمر يحتاج لفترة زمنية غير قصيرة حتى تصل الأوضاع فيها لحالة متشابهة لما يجري في تونس أو مصر، وبالتالي تعيش مرحلة محاسبة النظام السابق ومحاكمة رموزه والبحث عن مخارج لسيناريوهات مفاصل الدولة الجديدة كالدستور والانتخابات وغيرهما...

لا شك بأن هذه الحالة، حالة السعي الجاد للتوافق المطلوب بين كيانات وهويات البلد الواحد لرسم صورة وهوية ودستور الدولة الجديدة، بما يرضي شارع الثورة في هذا البلد أو ذاك، لا شك بأن هذه الحالة ستغذي الثورات القائمة أو القادمة بالتجارب التي تقوي عودها، وإن كان لكل بلد طبيعة اجتماعية وتركيبة سياسية خاصتين به.

ونلاحظ ذلك حالياً في خطوات المعارضة السورية والدول الداعمة لها في محاولة الاحتذاء بالتجربة الليبية نحو تشكيل مجالس انتقالية ووطنية وتنسيقية للمعارضة في الداخل والخارج.

إذن المسألة، كثورة، لا تنتهي بعملية "كش ملك" فقط، ومن خلال إسقاط الحاكم في أقل من شهر كما تظن بعض الشعوب، أو كما جرت الأمور في تونس ومصر، لأن ما بعد ذلك أدهى وأخطر وأمرّ على الشعوب والدول.

نحن نؤيد كل عملية تغيير يراد منها إصلاح الدول والمجتمعات وتنميتها وتوسيع المساحات الديمقراطية والمحافظة على حقوق المواطن كإنسان متمدن له كرامة ومطالب وحاجات، ونتمنى على حكومات الدول العربية أن تعيد النظر في أوضاعها وحاجات مواطنيها، بل نؤيد ثورة كل شعب مظلوم، ولكن عملية "كش ملك" ليست لعبة يتسلى بها الناس، لأن ثمنها كبير جداً سيتم دفع فاتورتها من أنفس ودماء المواطنين، وتبعاتها وآثارها خطيرة على حياة الناس وآمن المجتمعات.

 لذا فإن السؤال الذي بحاجة إلى إجابة متأنية هو: هل كل بلد ومجتمع بحاجة إلى عملية "كش ملك"؟ فلنتمعن قليلاً!!

كاتب وباحث