شباب الثورة: تمرد حالمين أم حماس مجددين؟

 

في المقالين السابقين ذكرنا أهمية إزالة النظرة السلبية تجاه الشباب، وفهمهم كشريحة اجتماعية لها سلبياتها وايجابياتها، كخطوتين أوليتين للنجاح في إدارة الشباب وتنميتهم. أما الخطوة الثالثة فهي تحديد نقاط ضعف شريحة الشباب وقوتها، لتشخيص ومعالجة وتدارك الأولى، أي نقاط الضعف، ولتقوية وتنشيط وتعزيز واستثمار الثانية، أي نقاط القوة، لأن الشباب هم مخزون الطاقة للمجتمعات والدول وعليهم المعول لبناء حاضر الدول ومستقبلها.

 قال الإمام الصادق ع للأحول:
- أتيت البصرة؟
- قال: نعم.
- قال: كيف رأيت مسارعة الناس في هذا الأمر ودخولهم فيه؟
- فقال: والله إنهم لقليل، وقد فعلوا وإن ذلك لقليل.
- فقال: عليك بالأحداث، فإنهم أسرع إلى كل خير.

من مهام المعنيين بالشباب والمخططين لهم معرفة طموحاتهم وحاجاتهم. نعم، قد يغيب عن الشباب، أو يصعب عليهم أحياناً، التفكيك والفصل بين الآمال والطموحات الواقعية عن تلك الأحلام والتمنيات غير الواقعية، لأنهم يعتقدون بأن كل أفكارهم ومطالبهم ومتطلباتهم واقعية وقابلة للتحقق. السبب في ذلك قلة تجاربهم الحياتية، وضعف إطلاعهم على تجارب من سبقهم. نعم إنها نقطة ضعف عندهم، ولكنها في المقابل تستبطن نقطة قوة، وهي الحماس والاندفاع الذي يجعلهم حالمين أكثر من كونهم واقعيين، وإذا أمنوا واقتنعوا بفكرة ما قد يبذلون أنفسهم من أجل تحقيقها.

فبمقدار ما هي نقطة ضعف هي في الوقت ذاته نقطة قوة.

نعم، قد يصعب على الشباب أحيناً تقبل العادات والتقاليد السائدة، أو مجارات الأعراف الاجتماعية المتبعة، أو الالتزام بثـقافة وسلوكيات محيطهم، لأنهم يظنون بأنهم جيل مختلف عن جيل الآباء والأمهات وغير ملزمين بما ألزم الآخرون به أنفسهم. السبب من وراء ذلك غياب ثقافة التمييز عندهم بين ما ينبغي التشبث به من قيم وبين ما ينبغي تجاوزه من مفاهيم مغلوطة.

لا شك بأن ذلك يمثل نقطة ضعف عندهم، لأنهم سيصطدمون بالمجتمع في كل يوم وساعة لاختلاف مسلكهم وتصرفاتهم عن السائد في المجتمع. بيد أن نقطة الضعف هذه تستبطن نقطة قوة كامنة، وهي رغبتهم الشديدة في التجديد وكسر رتابة الحياة وتجاوز البيروقراطية الاجتماعية القاتلة للإبداع، ولذا نجدهم كالطيور الباحثة عن الانطلاق في أفاق الله الواسعة.

نعم، قد يصعب على الشباب أحياناً تقبل القيود الأسرية والاجتماعية، التي في مجملها تجعلهم تحت رقابة الآخرين، سواءً في البيت أو في المدرسة أو في الجامعة أو في الحارة أو في الشارع، وعليه، تنتج مجموعة من المشاكل اليومية معهم بسبب رفضهم للرقابة الدائمة عليهم ومنعهم من سلوك هذا المسلك أو ذاك، لأنهم يعتقدون بأنهم باتوا رجالاً ينبغي إعطاءهم الثقة، ويمكنهم الاعتماد على أنفسهم في تحديد السلوك الصائب وتمييزه عن السلوك الخاطئ.

هذه الحالة لا شك بأنها تشكل نقطة ضعف عندهم، إلا أنها تتضمن نقطة قوة كامنة لديهم، وهي الحجم الكبير من الثقة بالنفس عندهم، والتي يحتاجها المرء لخوض غمار أمواج الحياة وصعوباتها. وهنا، مقابل نقطة الضعف هذه، نجدها تستبطن أيضاً نقطة قوة أخرى وهي مطالبتهم بالحرية والتحرر والسباحة في رحاب الله الفسيحة.

مثل تلك الصور من نقاط الضعف والقوة ما يمكن استخلاصه من تجربة الشباب في الفترة الماضية في خضم حراك الشباب في الثورات العربية.

بينما ساد الاعتقاد، قبل انطلاق هذا الحراك، بأن الشعوب العربية خاضعة للواقع السياسي المتخلف، ومستسلمة للواقع الاقتصادي المزري، وخانعة للنظم الديكتاتورية القائمة، ومنهزمة أمام التكتلات الدولية، مما يعني وجود نقطة ضعف كبيرة في الواقع العربي والإسلامي تتمثل في غياب، إن لم نقل انعدام، الثقة بالنفس، واليأس المطبق من تغيير الواقع المرير.

بيد أن الشباب بحراكهم اليومي من تونس في المغرب العربي حتى البحرين على ضفاف الخليج العربي مروراً باليمن المتمدد على بحر العرب، استطاعوا أن يبدلوا ذاك الضعف إلى قوة عابرة للحواجز وقادرة على تبديل الخوف العام إلى شجاعة فارضة للتغيير.

نعم، هناك نقاط ضعف عند شريحة الشباب، ولكن مقابلها عندهم نقاط قوة.

السبيل الأنجع لمعالجة مكامن ضعفها وتنمية واستثمار محاور قوتها هو دراستها لا الارتجال في تنقيطها، وتحديدها بالاستبيانات الكثيفة لا بالتحليل النظري في توصيفها، وهو ما يحتاج إلى تبني من جهات متخصصة في كل بلد عربي. بعد ذلك، الدراسة والتحديد، يمكننا، تحليل واستقراء النتائج للانطلاق في رسم خطة تنموية للشباب واستثمارهم الاستثمار الأمثل المبني على قاعدة "الإنسان هو عنصر التنمية الأول".

كاتب وباحث