على نفسها جنت أم عابس !

 

يقال إن أم عابس فلاحة بإحدى قرى بدو سيناء المصرية ، ولم ترزق بخلفة أولاد حتى تزوج عليها زوجها زير النساء المشهور بثلاث زوجات متتالية ، بحثاً عن صبي بينهن كي يحمل أسمه .

 أذ سميت بأم عابس بعد تبنيها  أخيها الوحيد عابس ، إذ ربته وهو صغير حتى أصبح كأبنها ، ولقد ذاعت شخصيتها وصيتها كعمدة  للقرية ، ولقد ورثت من أمها الخشونة والصلافة والإلحاح التي أشترهت به بين أهل المنطقة ، وما أن تمر بطريق ما حتى تهتز فرائص الرجال قبل النساء ، ولقد أستمد زوجها منها الكنية وأصبح ( أبو عابس ) وأشتهر به بين عرب المنطقة ، ولأم عابس نفوذ وسلطة على وضع العائلة الكبيرة في الشؤون المادية والأجتماعية والقبلية .

 فهي الآمر والناهي في الأخير ، وخاصة في الصفقات المصيرية للقرية كبيع الغنم والجمال على التجار .. ولقد تزوج أبو عابس الزيجات الثلاث بأشراف زوجته وأمها من الألف حتى الياء ، ولقد شاع بين الناس ، إنه حتى في ليالي دخلته الثلاث ، كانت أم عابس وأمها يتلصصن عليه من خلف جدار وضعنه ، وكانت تشتمه دوماً بحامل البرسيم .

هذا نصيب أبو عابس ، وهذا قدره ، فلم يرزقه الله سوى البنات السبعة عشر ! وعاش أبو عابس لخمسة وثلاثين سنة وهو يحمل كنية وهمية بالتبني من أخ زوجته .. فقد كانت العادات والتقاليد السائدة ترفظ قطعياً التكني بأسم البنت الكبرى ، وإن فعلها أحدهم ، فقد تعد بالفعل الشنيع بين القبائل ..

 كان سبب أرتباط الزير بأم عابس منذ الأساس  بضغط من خالته ( أمها اللحوحة ) .. فهي شريكة أمه وصاحبة الحصة الأكبر  بالمزرعة التي ورثتها عن أبيها ، والتي يعمل بها الزير وإخوته ، ولقد تزوجها كرهاً وصبراً كي يتقي شر أمها ، وليضمن مصدر رزقه ورزق عياله ، وليضمن ولايته على عابس الوريث الشرعي لتلك المزرعة .

قرر مجلس العائلة بقيادة الزعيمة أم عابس تزويج عابس ، وقد نقلت بعض النسوة عن وجود فتاة  جميلة بالقرية المجاورة ، فألـّحت أم عابس أن تخطب تلك البنت ، لكن الزير رفض ذلك لعدة أيام ، مرة بسبب مرضه ، ومرة بحجة المسافة البعيدة التي تبعدهم عن قريتها ، وإن فكرة الزواج من تلك القرية مرفوض البتة ، وفي الأخير أعترف إنه يطالب عمدة قرية الفتاة بمبلغ من المال ، ولم يسدده بعد ، وخائف أن يقابله ويذكره به ، لأنه عصبي وشرير ، ولا يتفاهم إلا بلغة اليد !.

 وبعد إلحاح وإصرار قوي من أم عابس ، خضع الزير وخنع لأمر زوجته وأصطحب عابس بمعية الشيخ الوحيد بالمنطقة لخطبة الفتاة وعقد القران في نفس الوقت .. غادروا بعد صلاة الفجر ، وما إن حان وقت الظهيرة ، حتى وصلوا بيت الفتاة ، فتفاجأ الزير أبو عابس بأن عمدة القرية هو عم الفتاة وولي أمرها بنفس الوقت !  وأن أباها ( أخيه )  قد توفى منذ زمن .

 فتمت الضيافة حسب التقاليد ، وتمت الخطبة ، لكن المفاجأة الثانية والتي لم تكن بالحسبان هو أن للفتاة أختاً توأم وشبيهة لها ، وأشترط عمهما العمدة تزويجهما معاً كي يتخلص منهما ويستحوذ على إدارة حلالهما ، فأقترح عمهما على الزير أن يتزوج عابس بواحدة وهو بالأخرى ، وهذا مقابل التنازل عن الدين وفك رهن أرض أخيه.

 لكن العارض يشترط أن يطلق الزير إحدى زوجاته الأربع ، فأعلن الزير ثورته وأنقلابه !! فصارح عابس أنه أخ لزوجته وليس أبناً ، وطلب من الشيخ أن يطلق أم عابس !!  ويزوجه الأخت التوأم ، فتم هذا على وجه السرعة ، ورجع الزير بصحبة  عابس وزوجتيهما ، وما أن دخل عابس على أمه الحقيقية قال لها : على نفسها جنت أم عابس .

روائي وباحث اجتماعي