التآكل الإجتماعي .. لحظة تأمُّل.

 

كشفت دراسة أميركية حديثة أن اتباع حمية غذائية بغرض التخلص من البدانة يدفع بعض خلايا الدماغ أن تبدأ بأكل نفسها، وذكرت صحيفة "ديلي تلغراف" أن الباحثين بجامعة "ألبرت أينشتاين" اكتشفوا ما أسموه بأكل بعض خلايا الدماغ لنفسها عند الفئران، في عملية يرجح أنها تجري في أدمغتنا أيضاً.

الحالة الإجتماعية ليست بعيدة عن ذلك إذا ما شئنا أن نسقط نتائج تلك الدراسة على حقيقة المجتمع في وقتنا الراهن، لأنّ صرخة الآباء المدويّة التي باتت تندلع من كل إتجاه ممّا آلت إليه أوضاع أبنائهم بسبب تآكل في منظومة القيم جرّاء ما يتلقونه من إعلام مشوه لهويتهم، جاء نتيجة لتطور وتآكل المجتمعات.

 فمع مرور الزمن اقتطعت هذه المؤسسات الإعلامية جزءاً كبيراً من الوظيفة التقليدية للأسرة، ولاسيما في شكلها السمعي والبصري، حتى باتت اليوم هي التي تشكل بيئة الجيل التقليدية.

صحيح أنها بيئة مصنوعة ومكيفة، ولكنها بالتحديد أشد تأثيراً في شعور واللاشعور الطفل معاً من البيئة الطبيعية وأقدر منها على تشكيل ذهنيته وشخصيته وصياغة إرادته وتأطيرها وتوجيهها في آنٍ واحد.

إن الانعكاسات التي طرأت على الأسرة والمجتمع بشكل عام بسبب بروز وسائط جديدة ومتعددة، جعلها في أزمة بسبب هذه التحولات الإجتماعية التي باتت تعزز العديد من الأنماط السلوكية الخارجة عما ترتضيه الأسرة التقليدية، ويرتضيه المجتمع لهويته الحضارية.

 فهي تشتكي من علاقاتها التي أصبحت ممزقة وتصادمية إلى حد البرود، هذا في الوقت الذي بات فيه الكل يحتفي بهذه الأجسام الغريبة وقد تحوّلنا جميعاً إلى زبائن دائمين إليها ولسنا ضحايا كما ندّعي، هذا بالرغم من أنها خلقت فجوة كبيرة في صرح تدبير أمور التربية وأفلتت مقاليد التنشئة الإجتماعية من بين أيدي الآباء ليسقط الأبناء في سرور بين براثن الوهم والأحلام المصطنعة والوعي المُزيّف، والركض اللاهث وراء إشباع كيس الرغبات الذي لا قعر له، بدلاً من مواجهة التحديات، والإصغاء لنصائح "الراشدين" من حولهم!! 

هنا أراني مضطراً لأن أغبط البعض لأنهم في منأى عن الساحة الإجتماعية، وبالتالي عدم مواكبة الأحداث المتلاطمة التي يتم التستر عليها حفاظاً على تماسك المجتمع، فالبرغم من أن هناك ما يُكدر صفو المهتمين بالشأن الإجتماعي، إلاّ أن ذلك لا يدعو للتشاؤم المُطلق نظراً للتأثير الطيب الذي تتركه الرافعات الإجتماعية، والوجدان الجمعي في الحفاظ على القيم، والعادات، والتقاليد، والأعراف، كأدوات للضبط الإجتماعي، إضافة للسلطة الرسمية المُعتبرة، والتي لن تكون فاعلة إلاّ بتعاون المجتمع ذاته، وكون أن هناك بعض التآكل في بعض تلك الأدوات بفعل سيطرت وسائط التواصل الإجتماعي على نزوات بعض الأفراد، فهذا لا يقلل من الدور الفاعل الذي تؤديه الجماعات الأولية في تعزيز منظومة القيم، وتمتين عملية التنشئة الإجتماعية، ولكن يجب أيتها العقول المسؤولة أن لا تنامي حتى يأتي السونامي. تحيّاتي.     

إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية