إمكانيات الشباب وظروفهم

 

إن الخطوة الأولى للنجاح في إدارة الشباب وتنميتهم هي إزالة النظرة السلبية تجاههم من عقول الجميع لاسيما المعنيين والمخططين للشباب، والانتقال إلى النظرة المتوازنة والموضوعية تجاههم كما أشرنا في المقال السابق. على ضوء ذلك تأتي الخطوة التالية وهي التعامل معهم كشريحة اجتماعية لها إمكانياتها وظروفها السلبية والايجابية. هم شريحة اجتماعية واسعة، فيها الصالحون والطالحون، فيها المجتهدون والتنابلة، فيها الناجحون والفاشلون، فيها المبدعون والساقطون، فيها المثقفون والبسطاء، فيها الأغنياء والفقراء، فيها المتدينون والمنحرفون، ولكنهم جميعاً يشتركون في كونهم يرفضون الرتابة والروتين والتقليدية في الحياة، ويميلون إلى التجديد وينفرون من النمطية، ويسعون وراء اللذة والمتعة والاهتمام بالأناقة والولع بالمغامرة والتمرد على كل أنواع السلطة.

فقد يكون الطريق لفهم إمكانيات الشباب، وفهم ظروفهم السلبية والايجابية كشريحة اجتماعية واسعة، يمر عبر تحديد طبيعة مجتمعهم وبلدهم الذي يعيشون فيه، لأن الاختلاف في طرائق حياتهم ودرجات سلوكهم ومستويات تفكيرهم بين الانفتاح والانغلاق، وبين الانفلات والتزمت، وبين المثالية والواقعية، وبين الجدية والهزل، وبين ترف العيش وضنكه، وبين صرامة الحياة وبساطتها، جميعها تساهم في صياغة شخصيات الشباب كولادة طبيعية لماهية المجتمع ومستوى الدولة التي يعيشون فيها.

 ولتقريب الصورة يمكننا البحث والمقارنة بين واقع وحال الشباب الكويتي والسعودي والإماراتي والقطري مع واقع وحال الشباب في لبنان وسوريا وتونس ومصر والسودان وإيران. لا نعني هنا التفضيل والتفاضل فيما بينهم، وإنما نقصد أن فهم واقع الشباب يمر من بوابة فهم المجتمع والبلاد التي يعيشون فيها.

في اعتقادي أن لدى الشباب في العالم العربي والإسلامي إمكانيات متنوعة لم تساعد ظروفهم وواقع بلدانهم ومجتمعاتهم على اكتشافها وتنشيطها وتفعيلها أو إتاحة الفرصة لبروزها، وبالتالي لم تتم تنميتها واستثمارها. بينما يشاهد الزائر للبلدان الغربية في أمريكا وأوربا، وكذلك في اليابان والصين، كيف نجح شبابنا في اقتحام الحياة العلمية والاقتصادية والإعلامية والسياسية والنجاح فيها والبروز والتدرج في الوصول للمناصب العليا في تلك البلدان.

 الشواهد كثيرة جداً، بل لدى كل واحد منا أمثلة على ذلك. في زيارة لي للولايات المتحدة الأمريكية قبل عقد من الزمان، وفي مقابلة مع شركة أمريكية تعمل في مجال البرمجة الالكترونية في هيوستن، يملكها ويديرها أمريكيان، قابلت ثلاثة من الشباب، أحدهم من الأردن، والثاني من فلسطين، والثالث من الهند، هؤلاء الثلاثة هم المبرمجون لأكبر برنامج معني بالرقابة والتحقق لمعامل النفط الكبيرة، ويباع هذا البرنامج ويصان سنوياً بالمئات من الملايين لأكبر معامل نفط في العالم العربي. كذلك وجدت حال شبابنا في شركات عالمية كبيرة كمايكروسوفت على سبيل المثال.

 ووجدت بعض شباب أمتنا يعملون بإخلاص وتفاني في شركة صناعة الطيارات المشهورة "الايرباص" في فرنسا.

الفارق بين إنتاجية شباب أمتنا عندما يعيشون في بلداننا أو يعيشون في تلك الدول لا يكمن في فوارق بين شخصياتهم هنا أو هناك. الشباب هم ذات الشباب أبناء هذه الأمة وثقافتها وأصولها وتقاليدها، ولكن الفوارق تكمن في البيئة الحاضنة لهم، وفي وجود الفرص المتساوية والمتاحة أمامهم، وفي مستوى مدخلات التعليم الذي يتلقوه ليجعل منهم ما هم عليه اليوم من مخرجات عاملة ومنتجة، وفي تقديرهم واحترام ما لديهم من كفاءة وطاقة. في هذه الفوارق تكمن أسباب هجرة كفاءات وعقول شبابنا للخارج.

من خلال هذه الفوارق يمكننا الاقتراب من فهم وتفهم أوضاع شباب أمتنا. السلبيات والايجابيات التي يعيشون في ظلها، ويظلون تحت وطئتها. فهمها وتفهمها هي الخطوة الثانية للمعنيين بالشباب والمخططين لمستقبلهم.

كاتب وباحث