كي نفهم مشاكل شبابنا وحاجاتهم وأدوارهم

 

   لا بد لفهم وتفهم الشباب معرفة مشاكلهم وشكاواهم. لا شك في وجود مشاكل خاصة بهم كبقية الشرائح الاجتماعية. نتحدث هنا عن مشاكل عامة يعيشها معظمهم، لا المشاكل الفردية الخاصة. مشاكل تسبب إشكالات متعددة، تارة لأنفسهم، وأخرى لمحيطهم. سنحاول التطرق لبعضها كشواهد لما نريد طرحه، مثل الفراغ وسوداوية المستقبل، وإلا فالموضوع بحاجة إلى دراسة منفصلة.

   مشكلة أوقات الفراغ الطويلة التي يعاني منها قطاع واسع من الشباب على مدار السنة، لاسيما فترة الصيف عندما تتعطل الدراسة في المدارس والجامعات. قد أشبعت كتابات وبحوث كثيرة مشكلة الفراغ عند الشباب، ولكن هل فهمت أمتنا حجم المشكلة وتبعاتها على الشباب والمجتمع؟ نأمل ذلك. الدراسات المتوفرة حول الشباب على مستوى الخليج والوطن العربيين خلال العقود الثلاثة الماضية التي تناولت قضايا الشباب من زوايا وأبعاد مختلفة, تؤكد أغلبها بأن مشكلة أوقات الفراغ الزائدة في حياتهم من المسببات الرئيسية السلبية لأوضاعهم السيئة على جوانب حياتهم المختلفة, منها ما أشار إليه الباحث عبدالعزيز بن حمود الشثري من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بان (83%) من عينة دراسته توجد لديهم أوقات فراغ طويلة لا يستطيعون شغلها.

   الشباب (من15إلى20سنة) يشعرون في هذه المرحلة بالتغييرات النفسية والجسدية فيهتمون بمظاهرهم الشكلية وقوتهم البدنية, ويحتاجون إلى صرف نشاطهم وحيويتهم وطاقاتهم في مجالات تحافظ على توازنهم النفسي والعقلي والعاطفي وينفع أيضاً ويصب في تشكيل مستقبلهم. وتحقيق ذلك يستلزم وجود دوافع ذاتية تكون بمثابة المولدات التي لا تخمد عن تحريكهم وتتوافق في الوقت ذاته مع حالتي الحماس والتمرد اللتين ترافق هذه المرحلة العمرية.

   الدوافع الذاتية تتكون من خلال سد الفراغ المعنوي والعقلي والروحي عندهم, وبالتالي تساهم هذه العملية في خلق مجموعة من الآفاق النظرية والعملية مما ينعدم مع وجودها حالة الفراغ الزائد في حياتهم وأوقاتهم, فالفراغ المعنوي يجعل الشاب عرضة لاهتزاز هويته وضعف طموحاته الحياتية والفراغ العقلي يُفضي إلى توقف مسيرته العلمية وخمول تطلعاته الأسرية والاجتماعية, والفراغ الروحي يؤدي إلى انزلاقه في الطرق الوعرة فكرياً وسلوكياً, ومن ثم تصبح معالجته أكثر كلفة وعودته تتطلب مشاريع تستنزف الجهد والمال والوقت.

   لا نريد أن نكرر ما بحثه الآخرون في هذه المشكلة، ولكن نسلط الضوء على حاجات الشباب والأدوار المطلوبة فقط، عبر اللقطات التالية، وهي تحدث طوال العام ولكنها تتسع وتكبر في فترة الصيف لوجود فراغ كبير عند الشباب:

   السفر من أجل السياحة. اللعب رغبة في التسلية. السهر في الليل والنوم في النهار.  التسوق والتمشية في الأسواق والمجمعات التجارية. رحلات برية للشباب في العمق الصحراوي. وأخرى بحرية لشباب السواحل. متابعات للحفلات الغنائية والمسرحية. متابعات للبطولات الرياضية، الصغيرة والكبيرة، وسباقات السيارات. ملاحقة أخبار أبطال الرياضة والفنانين. التنقل عبر الفضاء من قناة إلى أخرى. الدردشة الطويلة على مواقع الانترنت. نسبة الوقت خارج البيت هي الأساس. يعودون للمنازل للنوم وتغيير الملابس، وكأنها فنادق الصيف للشباب غير المسافر.

   صيف الشباب العربي، في كل عام، يتكرر مع قليل من التغيير. العناوين السابقة من صور ممارساتهم الصيفية تعبر عن طبيعة النشاطات التي تعكس شخصية الشاب العربي في فترة الصيف. بيد أن أغلبها غير منتج. فتميل شخصية الشباب أو الشابات نحو عادة الاستهلاك وإدمانه، أكثر من مجرد التفكير في أن يكونوا منتجين. ولكنها تعبر أيضاً عن مكنونات تريد الانعتاق. وعن طاقات تبحث عن التصريف والاستثمار. وعن حاجات نفسية تحتاج إلى من يفهمها ويعرف كيفية التعاطي معها. وعن حاجات عاطفية ينبغي استيعابها واحتواءها. وأهم من كل ذلك معرفة حاجات الشباب ومتطلباتهم الحقيقية.

   إن أهم حاجات الشباب، كما شرحها، قبل سنوات، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن، هي:

1-   الحاجة إلى الشعور بالأمان.

2-   الحاجة للتعبير الإبتكاري.

3-    الحاجة إلى الانتماء.

4-    الحاجة إلى المنافسة.

5-     الحاجة إلى خدمة الآخرين.

6-   الحاجة إلى الحرية والنشاط.

7-   الحاجة إلى الشعور بالأهمية.

8-   الحاجة إلى ممارسة خبرات جديدة و الشعور بالمخاطرة .

  من هنا ينبثق الفرق بين النشاط المقنن والأخر غير المقنن. فالأول يصب في خانة احتياجات الشباب، وبالتالي يسير وفق النسق الذي تتطلبه الخطط التنموية. بينما الثاني يسير "وفق ما اتفق" مع حالة الشاب ووضع أسرته وأصدقائه ومجتمعه ومحيطه. بل يسير استجابة للحظة الراهنة وبأي اتجاه تأخذه الأجواء حينها. لاسيما الشباب ذوي الطموحات البسيطة والثقافة السطحية. لذا تأتي ضرورة إعطاء الأولوية لمسألة تحديد الأدوار المطلوبة من الشباب والشابات فيما يخدم النفس والمجتمع والوطن. بخاصة تلك الأدوار التي ترفد كل فروع التنمية البشرية علمياً وتقنياً واقتصادياً وثقافياً. وهي كثيرة جداً.

   نكتفي بالإشارة لبعض الأدوار المذكورة في البرنامج الإنمائي السابق. وهي:

1-   المشاركة في تحديد احتياجات المجتمع المختلفة وإعداد الخطط اللازمة تبعا لقدراته.

2-   المشاركة الفعلية في بناء أمن المجتمع واستقراره من خلال المؤسسات المختلفة.

3-   إسهام الشباب في الخدمات الاجتماعية والتطوعية.

4-   المشاركة في البرامج التعليمية التربوية مثل محو الأمية، ودورات التثقيف والتوعية........الخ.

5-   الإسهام في ترسيخ الحضارة والتراث الشعبي والوطني.

6-   توصيل ونقل خبرات وعلوم ومعارف وثقافات الشعوب الأخرى وانتقاء الأفضل والصالح لخدمة المجتمع.

7-   المشاركة في حماية أمن وسيادة الوطن1.

   ويعاني الشباب من مشكلة تقلقهم كثيراً، وهي سوداوية المستقبل وفقدان الأمل بمصيرهم لاسيما بعد التخرج من الثانوية أو الجامعة، بخاصة مع وجود زيادة سكانية مقلقة في جميع البلدان. قد يعني التخرج من الجامعة بالنسبة للشباب الخروج من الحياة النظرية والولوج في الحياة العملية ، والطلاق من حياة العزوبية للالتصاق بعش الزوجية وبناء أسرة تنعم بالرفاء والبنين . وقد تتلخص أهداف أغلب الشباب وفي هذه المرحلة العمرية ، في الحصول على الوظيفة والزواج وتأمين السكن المستقبلي . فهل يبشرهم المستقبل بها أم أن استشرافه يفضي إلى التشاؤم؟.

   ذكرت السيدة ثريا أحمد عبيد المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان بمناسبة اليوم العالمي للسكان في 11/7/2003م أن " نصف سكان كوكبنا البالغ مجموعهم 6.3 بلايين نسمة تقل أعمارهم عن 25 سنة ويوجد أكثر من بليون إنسان تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و 19 سنة بحيث يمثلون أكبر جيل من الشباب في تاريخ البشرية ". ويلحظ المتتبع لإحصاءات تعداد السكان في البلدان العربية بروز ارتفاع نسبة الشباب في المجتمعات العربية، فهي تصل بين 51% -60% في المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، وهموم وطموحات الشباب المستقبلية هي جزء من تبعات الزيادة السكانية في العالم والتي تختص الدول النامية بالحصة الكبرى منها، ففي مصر مولود جديد كل 27 ثانية، وفي المملكة مولود جديد كل 19 ثانية، وهي إحصائيات قديمة!. لذا سيكون الشباب، كما أتوقع، هم مدار التركيز والبحث خلال العقدين القادمين عند مراكز الأبحاث والمعنيين بالدراسات الاجتماعية وعلوم الاجتماع السياسي وغيرهم.

   إن الطفرة السكانية ستكون مؤشراً ايجابياً ومرفداً حضارياً إذا تم استيعابها بالإحصاءات المستمرة والتخطيط الفاعل للتنمية، وستكون دعماً للاقتصاد الوطني في كل دولة عربية إذا تم احتواءها وتوجيهها كي تتحول إلى قوة من الممكن استثمارها في النهوض بالبلدان العربية. بينما هذه الطفرة ستكون وبالاً خطيراً وكارثة مستقبلية إذا غابت الحكمة عن دراستها بما تمثله مستقبلاً من استنزاف للموارد والخدمات وبما تفرزه من بطالة وتبعات اجتماعية واقتصادية ونفسية.

   لذلك فان استشراف الأزمات المستقبلية المباشرة والغير مباشرة للزيادة السكانية، ومن ثم تناولها بالبحث والدراسة لمعالجتها، وبالتالي الاستعداد بالتخطيط النظري والبرنامج العملي للحد من شدتها وتفاقمها، والأمثل الإعداد لعبورها من غير أن تمثل أزمة للمجتمعات والدول. وهذا الأمر يحتاج إلى التعاطي معها على طريقتين: الأولى أخذها كوحدة واحدة من الأزمات المستقبلية لما بينهما من تداخل وترابط، والثانية تفكيكها لما لكل أزمة ظواهرها وأسبابها وانعكاساتها الخاصة على المجتمع والدولة.

    فالأرقام التي تملأ صفحات التقارير التنموية والإنسانية والإحصاءات المنتشرة في العالم عن الزيادات السكانية دفعت البعض إلى إطلاق جملة " الانفجار السكاني" على ما يحدث وسيحدث فيها، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الأرقام المخففة والمعتدلة حول البلدان العربية والمتوقع أن يكون عدد السكان فيها عام 2050م 654 مليون نسمة بينما هي اليوم 287 مليون نسمة، وستكون مصر في المقدمة بتعداد السكان وحجمه 113 مليونا ثم اليمن 102 مليون ويليها السودان بـ63 مليونا ثم السعودية بـ59 مليون وفي المركز الخامس العراق بـ53 مليون نسمة. وتتراوح توقعات زيادة سكان العالم في عام 2050 بين 9 بلايين نسمة إلى 14 بليون نسمة ومعظمها في العالم الثالث.

    هذه الزيادات السكانية وبقدر ما تُربك الخطط التنموية فتخرجها عن مسارها لمواجهة المشاكل المستجدة، فإنها تبعث على تشاؤم الشباب تجاه مستقبلهم المنظور وبخاصة مع تدني مستوى دخل الفرد سنوياً وغلاء المعيشة وصعوبتها، ولكن مبعث التفاؤل يكمن في سعي الدول العربية، حالياً، وبمشاركة القطاع الخاص، نحو وضع استراتيجيات وطنية متكاملة الأهداف والأبعاد لامتصاص الأزمات المستقبلية. ويضاعف هذا الوضع المسئولية على الشباب في الاعتماد على أنفسهم أولاً وأخيراً، لبناء ذواتهم والحفر في الصخر لتشكيل مستقبلهم2.  

   هناك مشاكل شبابية أخرى، للذكور والإناث، نكتفي بالإشارة إليها مثل:

ـ مشكلة تقلب المزاج التي تظهر في سلوكيات غير متوقعة أو متناقضة، وأحياناً في فترات متقاربة جداً.

ـ مشكلة التقلب في تحديد الشاب للبيئة التي يستقي منها الرأي والقرار، أهي دائرة البيت والأهل، أم دائرة الأصدقاء والأقران، أم هي دائرة المحببين إليه من المدرسين والمدراء. وهذه المشكلة تُثير مشكلة أخرى وهي ما هي حدود الأخذ والعطاء مع هذه الدوائر من قبل الشاب نفسه.

ـ مشكلة ضعف أو انعدام القراءة والمطالعة، وبالتالي ضعف نضج الحياة وضعف الوعي والثقافة.

ـ مشكلة حدود تأثير الدين والتدين في حياة الشاب وسلوكه، ومن ثم تأتي مشكلة ضعف الوازع الديني وتبعاتها على نفسه ومحيطه.

ـ مشاكل الانحرافات المختلفة، وتتدرج من المزالق العاطفية إلى الجنح الجنائية حتى تصل إلى مستوى عمليات الإجرام، وهو ما يلاحظ على الفئة العمرية الشابة التي تحتضنها سجون أغلب الدول.

ـ الإدمان بكل أنواعه وهي تتدرج في حياة الشباب: إدمان السهر بالليل، إدمان رغبة الشراء بحاجة أو دون حاجة، إدمان متابعة موضة الأزياء والزينة ومواد التجمل، إدمان متابعة المسلسلات، إدمان الانترنت، إدمان مشاهدة الأفلام الإباحية، إدمان المخدرات...إلخ.

1- من مقال للكاتب تم نشره في صحيفة عكاظ السعودية في 12/7/2007م
2- من مقال للكاتب في صحيفة عكاظ السعودية في 8/7/2004م
كاتب وباحث