هل تفهم الأمة شبابها وحراكهم ( 3 )

 

   بعد المقالين السابقين: "حراك الشباب العربي: هل يُصلح الأمة؟" و "هل ينجح حراك الشباب في لإصلاح الأمة؟" نأتي لموضوع متصل بهما حيث يدور حول الضفة الأخرى من التعاطي مع المسألة، وهو "فهم الأمة للشباب".

   من يدرس التاريخ يجد أن أغلب عمليات التغيير في الأمم مصدرها اندفاع الشباب وقناعتهم بضرورة التغيير. كل الحضارات قامت على أكتاف الشباب وهمتهم. أول الذين أمنوا بالرسول محمد ص مؤسس الحضارة الإسلامية هم الشباب، وكذلك من آمن ببقية الرسل والأنبياء أولاً هم الشباب. ويجد الدارس لصفحات الثورات في الأمم كالثورة البلشفية في روسيا والثورة الفرنسية في أوربا والثورة الإسلامية في إيران وبقية الثورات أن عمادها الأساس هم الشباب.  ويجد أيضاً أن معظم الحركات الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية تأسست على سواعد الشباب وهمتهم.

   فالشباب هم الماكينة الدافعة للتغيير عبر التاريخ سواء كان التغيير نحو الأحسن كما حدث في الثورة الروسية والثورة الفرنسية والثورة الإسلامية في إيران، أو كان التغيير نحو الأسوأ كما يجري في المطالبات بالحقوق المثلية وحقوق الشاذين وحقوق المدمنين، أو كما هم كذلك عماد تنظيم القاعدة الإرهابي في جميع البلدان والدول.   فقد مارست المنظمات الشبابية في ألمانيا دوراً بارزاً في بث الأفكار الهتلرية وفي إيصال هتلر إلى الحكم حتى بات الشباب معروفين باسم "الشبيبة الهتلرية- Hitler Jugend" ومن تلك المنظمات: "منظمة الشبيبة الهتلرية" عام 1926م ووصل عدد أعضاءها في عام 1932م 135,000 عضو, وأمسى لاحقاً على من أراد الانضمام للمنظمة في سن الرابعة عشر أن يلتحق في سن العاشرة إلى منظمة تسمى " بيمفن" وقبلها عليه منذ الثامنة أن يمر في ألـ "جونغفولك". وعلى الصعيد النسائي، كان "اتحاد الشابات الألمانيات" يستقطب الفتيات ما بين سن ألـ 14 وألـ 21 متوازياً بذلك مع "الشبيبة الهتلرية"1.

   لذا نجد أن شباب الجامعات وشاباتها كانوا عماد تشكل النقابات الطلابية المعبرة سياسياً عن قبول أو رفض الواقع المعاش كما جرى ذلك في دول المغرب العربي وأوربا ودول شرق أسيا، وباتوا اليوم هم الشريحة التي تقوم عليها أغلب مؤسسات المجتمع المدني في العالم قاطبة.

من هم الشباب؟

   يلاحظ عند محاولة تحديد السن المقصود من مفردة "الشباب" وجود التداخل في أغلب التعريفات المتخصصة للمرحلة العمرية عند الشباب بين تعريفات سن المراهقة وما بعدها، لذا فضلنا طرحها قبل الدخول في تعريفاتها النفسية والاجتماعية وتوصيفاتها. منها ما جاء في آيات القرآن المبين، ومنها ما جاء في العلوم الأخرى، وسنذكر بعضها على نحو الاختصار غير المخل ونسأل الله التوفيق في ذلك. وسنبدأ بالآيات والروايات :

   "قالوا سمعنا فتىً يذكرهم يُقالُ لهُ إبراهيم"2، جاء في بعض كتب التفسير أن إبراهيم ع لمّا ألقي في النار لم يكن عمره يتجاوز ست عشرة سنة، وذكر البعض الآخر أن عمره عند ذاك كان (26) سنة. وعلى كل حال فإنه كان في عمر الشباب3. وجاء في تفسير الآية: أي أن في المدينة شاباً يذكر الأصنام بسوء لعله هو الذي صنع هذا الصنيع4.

   "وإذ قال موسى لفتاه لآ أبرح حتى أبلُغ مجمع البحرين أو أمضى حُقُبا"5 قال موسى لفتاه: أي شابه الذي كان يلازمه ويخدمه، وهو يوشع بن نون، وقد كان وصياً لموسى6.

   وجاء في آية "وقال نسوةٌ في المدينة امرأتُ العزيز تراودُ فتاها"7، الفتى الغلام الشاب، والمرأة فتاة8. وفي آية "ودخل معه السجن فتيان"9، والتقدير فسجن يوسف ودخل معه السجن فتيان أي شابان حدثان10

   وفي آية "إذ أوى الفتيةُ إلى الكهف"11، الفتية جمع فتى، أي الشبان12.  وقيل: إذا التجأ أُولئك الشبان إلى الكهف13. وفي آية "إنهم فتية أمنوا بربهم"14، أي أحداث وشباب15. وقيل: أي شبان16. ومما جاء في الروايات المفيدة في موضوع تحديد سن الشباب: قال أمير المؤمنين ع: يرف (يُربّى) الصبيُّ سبعاً ويُؤدبُ سبعاً ويُستخدمُ سبعاً، ومنتهى طوله في ثلاثٍ وعشرين سنةً، وعقله في خمسٍ وثلاثين، وما كان بعد ذلك فبالتجارب17. وقال النبي ص: الولدُ سيدٌ سبع سنين، وعبدٌ سبع سنين، ووزيرٌ سبع سنين18.

   وهنا، بعض الأقوال والتعريفات المساعدة، منها: المراهق هو الشخص الذي تجاوز مرحلة الطفولة ولم يبلغ الحلم بعد. وتعتبر معظم المجتمعات الشخص مراهقاً من سن 13 إلى 18 سنة على الأقل. اليوم يصبح الفرد بالغاً قانوناً في سن 18 في معظم البلدان19. الفتى: والفتية: الشاب والشابة20. الشباب: جمع شاب21. وجمع شبيبة شبائب: الفتاء وهو من سن البلوغ إلى الثلاثين تقريباً22. الشباب: هم الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والرابعة والعشرين، أي الذين أتموا عادة الدراسة العامة23. ويعتبر علم الاجتماع الشباب: جماعة عمرية يشترك أعضاءها ببعض الصفات مثل العمر والعرق والثقافة المتقاربة وأبرز صفاتهم:

1-   درجة عالية من التضامن الاجتماعي.

2-   تنظيم متدرج.

3-   رموز رافضة تستخدم للمقارنة مع قيم الراشدين وخبراتهم24.

   ويُطلق الأرضيون - وبعض نصوص التشريع أيضاً- اسم (المراهقة) على بداية المرحلة الراشدة...وإنّ مرحلة (المراهقة) تُعد في البحوث الأرضية ذات خطورة من نمط أخر. وقد أفاضت البحوث في الحديث عن طابع المراهقة بكل تفصيلاتها، فيما يمكن لمُّها في خصوصيتين رئيسيتين هما: اسقلال الشخصية، وتمّوجاتها.  ويُقصد بالاستقلال: إن الشخصية تبدأ بالتحسس بأنها كيان مستقل عن أسرته. أما تمّوجاتها، فيقصد من ذلك الاضطراب أو التقلب أو التردد في الانتهاء إلى الموقف الحاسم الذي تختطه الشخصية لمستقبلها سواء أكان ذلك متصلاً بمشكلاتها الفكرية أو الاقتصادية أو الاجتماعية بعامة25.

   وهناك صورتان لحالة الشباب قد يظنهما البعض متناقضتين، بينما هما ليستا كذلك، لأنهما حالتان طبيعيتان يعيشهما الشاب في مرحلة المراهقة. فمن جهة يرغب الشاب في أن يكون قوي البنية جسدياً، جميل المظهر في طلته وزينته، يتمنى أن يكون الأفضل بين أقرانه، لديه حس الإبداع والمبادرة، سريع التأثر، حب التغيير والميل للجديد والتجديد دائماً، الرغبة في الاستقلال الاقتصادي والحصول على صلاحيات التصرف بالمال، المطالبة بالمزيد من الحرية... ومن جهة أخرى قد يحب الانزواء والوحدة، عنده رغبات جامحة وبعضها وهمية، وأحلام عاطفية، يمتاز بالحساسية المفرطة، قد يكون عنده اضطرابات نفسية أو فكرية أحياناً، التردد بين التمرد على العادات والتقاليد أو التقيد بالتقاليد السائدة، العناد والكسل، الميل لإبراز الشخصية وجلب انتباه الآخرين وحب الظهور26.

   هاتان الصورتان تجعلان الشاب يعيش مجموعة من الصراعات مع الذات، صراع بين الرغبات العاطفية والمتطلبات العقلية، صراع بين التقليد والتجديد، صراع بين الاستقلالية والتبعية، صراع بين العاطفة والعقل، صراع بين الانطلاق في الحرية و التقيد بالقانون والنظام والقيم والأعراف، صراع بين الحب في الحوار والنقاش و النفور من الوعظ والإرشاد...لذا نجد الشاب- المراهق- ينتقل من مزاج إلى أخر، وتتبدل حالته النفسية من وضع إلى ضده. ويبدو أن هذه الحالة هي ما أراد التعبير عنها نبينا محمد ص بقوله: الشباب شعبة من الجنون27. أما ما يجعل الغلبة لجانب دون أخر فهو مجموع العوامل الذاتية المكونة لشخصية الشاب والعوامل المحيطة به في بيئته الأسرية والاجتماعية والسياسية. وكما يلاحظ في العالم العربي اليوم غلبة العنصر السياسي كعامل تأثر به الشباب وتفاعل معه على الكثير من العوامل الأخرى. قال أمير المؤمنين ع: لا يزال العقل والحمق يتغالبان على الرجل إلى ثماني عشرة سنة، فإذا بلغها غلب عليه أكثرهما فيه28. في الختام نقول: لا يمكننا فهم شباب الأمة إلا إذا فهمنا "شباب الفيس بوك" وهو مدار مقالنا القادم.

الهوامش:
1- موسوعة السياسة: 3/438
2- الأنبياء60
3- تفسير الأمثل: 10/139.
4- تقريب القرآن: 3/553
5- الكهف 60
6- تقريب القرآن: 3/402
7- يوسف 30
8- مجمع البيان:5-6/296
9- يوسف36
10- مجمع البيان:5-6/300
11- الكهف 10
12- تقريب القرآن:3/364 وتفسير الميزان: 13/200
13- مجمع البيان:5-6/584
14- الكهف 13
15- مجمع البيان:5-6/586
16- تقريب القرآن:3/366
17- وسائل الشيعة: 15/105/5
18- وسائل الشيعة: 15/105/7
19- الموسوعة العربية العالمية: 23/75
20- الموسوعة الجامعة لمصطلحات الفكر العربي والإسلامي:2/2025
21- لسان العرب:8/10.
22- المنجد في اللغة والأعلام: 371
23- معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية: 452
24- معجم علم الاجتماع المعاصر:334.
25- دراسات في علم النفس الإسلامي:100
26- للمزيد من الإلمام والتوسع في هذا الجانب يمكن مراجعة كتاب: الشباب بين العقل والعاطفة، للشيخ محمد تقي فلسفي.
27- موسوعة أحاديث أهل البيت ع: 5/260ح5906
28- بحار الأنوار: 1/86/49
كاتب وباحث