ضفاف أربعينية الحسين عليه السلام

الشيعة في الخليح ( 1 )

   لم تكن مصادفة وجود مختلف الجنسيات الخليجية، رجالاً ونساءً، شيوخاً وشباباً، في وقت واحد، في مطار النجف الأشرف في العراق. طائرات للتو هبطت قادمة من البحرين والكويت والإمارات وقطر تحمل ركاباً، بالإضافة إلى جنسيات أخرى. ركابٌ جاءوا من دول أوربية، وطائرات قادمة من الهند وباكستان وإيران وسوريا...جميعهم من طائفة المسلمين الشيعة...اجتمعوا في العراق لزيارة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام في اليوم الأربعين من مقتله ليجددوا عهدهم بالولاء له وليحيون ذكراه السنوية. هذه الصورة لم تكن موجودة قبل سنوات قليلة وإن كانت كامنة في النفوس...بدأت بالتدريج منذ سقوط صدام حسين في عام 2003م، ما لبثت تأخذ نفسها بالتراكم والتضخم حتى وصلت لما هي عليه اليوم.
   لا توجد غرف فندقية شاغرة في كربلاء. لا شقق سكنية تستوعب أعداد الزوار القادمين من الخليج. ناهيك عن القادمين من الدول الأخرى، فيفتح الكربلائيون بيوتهم لاستقبال الزوار دون مقابل ودون النظر لكونهم من العراقيين أو غيرهم. يأتي العراقيون من كل المدن والمحافظات العراقية للغرض ذاته بين ماشياً وراكباً وزاحفاً نحو حرم الحسين ع... يقال إن ما يجري هو ردُ فعل من المجتمعات  الشيعية الخليجية تجاه المنع والكبت والحرمان من زيارة مراقد أئمتهم عليهم السلام لسنوات طويلة... ويقال إن ما يجري هو إعادة عفوية لصياغة المجتمع الخليجي الشيعي من جديد...ويقال أيضاً إن ما يجري هو ترميز غير مسبوق تحت عنوان "أربعينية الحسين" للصحوة الشيعية القادمة في الخليج والعالم... وكذلك يقال إن ما يجري هو إحياء وبعث غير معهودين، ليس للطائفة الشيعية فحسب، بل هو بعث ونشر للفكر الشيعي على مستوياته المختلفة.
   قال ظابط جوازات في المطار مخاطباً مجموعة خليجية: "هل أخذتم تأشيرة الدخول؟ والذين يحتاجون إلى تاشيرة عليهم التوجه إلى تلك النافذة، وأشار بيده نحوها...سأل زائر باكستاني زائراً من السعودية بالإنجليزية عن فحوى كلام الظابط فترجم الأخير له ذلك... يقال بإن حزب الدعوة هو المسيطر على إدارة وتشغيل مطار النجف. يرد عليهم أخرون بالقول بإن هذا إدعاء يراد منه تضخيم دور الحزب بينما المطار لا هوية حزبية لإدارته وتشغيله غير الهوية الوطنية للعراقيين.
   ذكرى أربعينية الإمام الحسين ع السنوية اختفت كظاهرة وكطقس ومظهر من مظاهر الممارسات الشيعية خلال العقود الأربعة الماضية بسبب منع الحكومة العراقية السابقة لها. مشهد المنع السابق دفع الشيعة للتخفي عندما يحاولون إحياء الذكرى، وبشكل أخص للذين يحاولون المشي لزيارة الحسين من المدن العراقية. كان هؤلاء يجهدون انفسهم، رغم قساوة المنع وتبعاته من السجن وخلافه، يسعون للمشي عبر المزارع والأحراش والشوارع الفرعية الداخلية الرابطة بين مدينتي النجف وكربلاء. يقول زائر خمسيني من أهالي الأحساء بالمنطقة الشرقية من السعودية: "قبل أكثر من ثلاثين سنة تقريباً، جئت مع والدي وجدي، فقررا أن نمشي ليلاً بين الأحراش والمزارع، فكنا نقوم ونقعد بين الحفر والمرتفاعات والممرات الضيقة من المغرب حتى الفجر، وننام نهاراً في القرى الشيعية الواقعة بين المدينتين".
   بين هذه الصورة للمنع وصورة الحضور المليوني اليوم، بين الفتور الكلي عن الزيارة بالأمس والاندفاع المتحمس اليوم، تكمن الفوارق بين طبيعة الحكومات التي توالت على حكم العراق منذ العهد الأموي حتى وقتنا الحاضر. مظهر المنع يحكي تاريخاً طويلاً من الأذى والتنكيل بالشيعة وتهميشاً لهم متعمداً للفكر الشيعي ومظاهره الدينية والاجتماعية. بينما عودة ظاهرة زيارة الأربعين، وهي بالمناسبة من علامات المؤمن الخمس في الثقافة الشيعية، عودتها تحكي دائماً قصة انفتاح الحكومات العراقية على الشيعة فكرياً وسياسياً. يقول رجل أعمال عراقي يعمل في إدارة الفنادق معبراً عن الصورتين: " خلال سنوات صدام حسين حتى عام 2003م كان رجال الشرطة والدوريات يراقبون الشوارع المؤدية إلى كربلاء، ويمنعون حتى فتح المسجلات الصوتية عن بث وسماع اللطميات الحسينية ومن يقوم بذلك يتم اعتقاله فوراً، بينما نحن اليوم نشاهد دوريات الطرق والأمن تبث اللطميات من داخل سياراتهم لتساهم في صناعة المشهد الأربعيني السنوي الذي لا يمكن أن يكون إلا هنا في العراق وكربلاء...".
   ترتبط المجتمعات الخليجية الشيعية بأجواء إحياء ذكرى أربعينية الحسين ع وتعيشها، ليس من خلال حضور زوار الخليج العربي ومشاركتهم فيها فحسب، بل تعيشها أيضاً من خلال القنوات الفضائية العراقية والشيعية التي دخلت كل بيت خليجي لتجعل الأجيال الشيعية الخليجية الجديدة تنمو في إجواء معبرة عن حقيقة ارتباطهم كشيعة، مثل سائر الشيعة في العالم، فكرياً وعقدياً...وإلى مقال تابع بإذن الله تعالى.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
سلمان م المرهون
[ UMALHAMA - UMALHAMMAM ]: 24 / 1 / 2011م - 9:42 م
سلمت يداك على هذا المقال

اللهم ارزقنا زيارة الحسين عليه والسلام في الدنيا وشفاعته في الآخرة
كاتب وباحث