هل ينخدع الشعب التونسي من جديد؟

نأمل أن لا تكون الثورة التونسية، في عصرنا هذا، عصر السرعة، ثورة على طريقة الوجبات السريعة "الفاست فود"! كثيرة الدسم، قليلة الفائدة! لأن السؤال الذي يتبادر للذهن بعد أحداث تونس الأخيرة؟ لماذا لا تكتمل ثورة الشعب التونسي في كل مرة؟ فمنذ ثمانينات القرن الماضي ثار الشعب التونسي على أوضاعه أكثر من ثلاث مرات، لكن ما تلبث أن تخمد الثورة في كل مرة ويبقى الحكم والحكام. النتيجة وعود تتلوها وعود تتبخر كالسراب في كل مرة!

في البدء، وفي الوقت الذي نهنئ فيه الشعب التونسي على رحيل ديكتاتور أخر عن سماء بلادهم، ورغم ما نتمناه للشعب التونسي من الخير والسعادة والديمقراطية الحقيقية والسعة في الأرزاق والشواغر في الأعمال للناس العاطلين وأن يتغير حالهم إلى أحسن حال، إلا أننا نثير تساؤلات ضرورية لاستشراف الوضع المتوقع لهذه الثورة: هل اكتملت الشروط والظروف الموضوعية للثورة التونسية بحيث يمكننا توقع استمرارها للخروج بتونس والتونسيين من سوء الأوضاع الاقتصادية والحرمان والتعسف إلى بر الأمان والحرية وتحسين أحوال الناس وتأمين معيشتهم وأرزاقهم؟

ليس بجديد القول بأن الرئيس بن علي، ومن قبله الحبيب بو رقيبة، قد أحالوا الدولة إلى مشروع خاص بنخبة حاكمة لا تهتم بشؤون الناس ومشاكلهم ومطالبهم. بل جعلوا كرسي الرئاسة عرشاً دائماً للحاكم إلى الأبد. وبعد الأحداث الأخيرة يأتي الرئيس بن علي ليقول: الآن فهمت بعد أن أصبح المواطنون يموتون بالعشرات في الشوارع!! وليس بجديد القول بسوء الأوضاع الاقتصادية، وبكبت الحريات المؤذية للناس، وبتعسف الدولة مع من يخالفها، وغياب العدل والمساواة بين أبناء البلد الواحد... ولكن هل وفر كل ذلك الشروط والظروف الموضوعية لانتصار الثورة التونسية؟

أحداث تونس الأخيرة المؤلمة سياسية، وإن أخذت الطابع الاجتماعي الاقتصادي في شرارتها. لقمة العيش صعبة جداً، قد تقلب المرء الجائع إلى وحش كاسر. تحرك الشارع بشكل متسارع دون توقف مع شرارة الشهيد الشاب محمد البوعزيزي. تفاعل الجيش فرفض التصدي للأمواج البشرية. اصطدم الجيش بحرس الزمرة الحاكمة وأتباعهم. هرب بن علي. جاء حاكم جديد بمسرحية لم تنطلِ تحت المادة 56. ثم تعدل سيناريو المسرحية ليأتي بذات الحكومة على قاعدة المادة 57. والشارع لم يهدئ أو يتوقف. عمد بعض أطراف حرس الحكومة السابقة للخروج من الأزمة على قاعدة "الفوضى الخلاقة". فلم يتوقف هدير الشارع. ولكن هل وفرت هذه الأحداث الشروط والظروف الموضوعية لانتصار الثورة التونسية؟

يعلم الشعب التونسي جيداً بأن قدوم حكومة جديدة لا يعني تحقق مطالبهم، بخاصة إذا ما كانت الوجوه ذاتها من ممثلي المسرح السابق. ويعلم الشعب التونسي أنه قد خُذل مرات عدة في انتفاضاته السابقة! ولكن هل يعلم الشعب التونسي بأن حكامه الجدد لن يتمكنوا من تحقيق مطالبه لأنهم جاءوا من رحم الأفكار والثقافة ذاتهما للحكومة السابقة؟ ولكن مرة أخرى، هل ستنجح محاولات إجهاض الثورة كما نجحت في الثورات السابقة؟

نأمل أن لا يحدث ذلك، بل نأمل أن يتحقق للشعب التونسي مطالبه كي يعود بعض الأمل للشعوب في قدرتها على التصدي للديكتاتوريات، فيعود بعض الأمل في مستقبل الأمة الإسلامية والعربية. فرغم الدروس والعبر من سقوط بن علي ورفض أصدقاءه بالأمس كفرنسا استقباله، ورغم العبرة المستفادة بقابلية الشعب للانفجار إذا زاد ضغط الدولة عليه، إلا أنه يبقى السؤال معلقاً: هل في ثورة التونسيين اليوم قابلية للنجاح كثورة أم تبقى مجرد انتفاضة مؤقته غير قابلة للتحول إلى ثورة؟! الإجابة ستتضح من خلال ما تحمله أحداث الأيام القادمة.

كاتب وباحث