قراءة في فقه المشاعر

إن المشاعر ليست هي الغاية أو هي كل ما نعيش من أجله ، كما أنه لا يجب أن تسيطر المشاعر على سلوكنا أو أن تُملي علينا ما يجب عمله ، ولكن في الوقت ذاته لا يمكننا تجاهل مشاعرنا أيضاً ، لأنه لا يمكن أن يتم تجاهلها بشكل تام .

مشاعرنا مهمة للغاية ولها كل الإعتبار . فإذا ما أبعدنا مشاعرنا نكون بذلك قد خسرنا جزءاً هاماً منا بل ومن حياتنا . فالمشاعر هي مصدر المتعة مثلما هي مصدر الحزن ، والخوف ، والغضب . من العجائب فعلاً أن يكون جانب الشعور بنا هو ما يضحك بالضبط مثلما هو ما يُبكي . وهو الذي يمنح ويتلقى مشاعر الحب الدافئة ، وهو ما يسمح لنا بالشعور بالقرب من الناس ، كما أنه يسمح لنا بالإستمتاع بالمشاعر الأخرى الجميلة .

كما أن مشاعرنا تلعب دور المجسّات أيضاً ، فعندما نشعر بالسعادة والراحة والدفء والرضا نعرف أن كل شيئ جيد في عالمنا في هذه اللحظة ، وفي المقابل عندما نشعر بعدم الراحة مع الغضب والخوف والحزن ، فإن مشاعرنا تخبرنا بأن هناك ثمة مشكلة . قد تكون المشكلة بداخلنا وهي عبارة عن شيئ ما نفعله أو نفكر به ، وقد تكون المشكلة خارجية ، ولكن مشاعرنا تخبرنا بالتأكيد أن هناك شيئ ما على غير ما يرام .

وفي الوقت الذي تكون فيه المشاعر عبئاً على كاهلنا ، فإنها يمكن أن تكون كذلك محفزاً إيجابياً ، فقد يحفزنا الغضب على حل مشكلة ما ، كما يشجعنا الخوف على الهروب من الخطر ، ويخبرنا الألم والجراح المتكرر بأن نظل مبتعدين عن مصدره ، كما يمكن لمشاعرنا أن تمدنا بمفاتيح لأنفسنا : رغباتنا ، احتياجاتنا ، طموحاتنا ، وهي تساعدنا على اكتشاف أنفسنا ، وما نفكر به بالفعل ، بالإضافة إلى أنها تصل إلى الجزء الداخلي فينا والذي يسعى لمعرفة الحقيقة والرغبات التي تحتفظ بها النفس ، وما يمكن أن يقويها ويعزز الخير بها . إن المشاعر متصلة بالضمير ، وبعملية التفكير ، وبالهبة الغامضة التي وهبنا الله إياها وهي " البصيرة " .

بيد أن هناك جانب مظلم للمشاعر ، إن آلام المشاعر دائماً ما تجرح ، ويمكنها أن تجرح بشدة حتى نعتقد أن كل ما نحن فيه وما سوف نعانيه هو جزء من مشاعرنا . يمكن أن يكون الخوف مثبطاً لمثل هذه المشاعر ، فقد يمنعنا من القيام بأشياء نريدها ونحتاج إليها لكي نعيش حياتنا . في بعض الأحيان يمكن أن نتورط في مشاعر مظلمة معينة ، ونظن أننا لن نستطيع التخلص منها ، وقد يتحول الحزن إلى شعور بالإستياء والمرارة ويهددنا بأن يظل إلى الأبد . كما يمكن للحزن أن يتحول إلى إحباط يكاد يتسبب في اختناقنا ، ولكن أرجو الإنتباه جيداً لأن مشاعرنا ممكن لها أن تمارس الخداع معنا ، فقد تكون في أعيننا كالقطن ، لأنها تبدو أكثر مما هي عليه ، وهي في الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق

حذار أيها الأحبة من كبت المشاعر تحت أي عنوان كان ، لأن المشاعر طاقة ، وكبت المشاعر يعيق طاقتنا ، ولن نتمكن من عمل أفضل ما يمكننا عندما تكون طاقتنا مُعاقة . فيا أيها السادة إنتبهوا إلى حقيقة مشاعركم . تحياتي .  

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
عابر سبيل
[ العربية - أم الحمام ]: 17 / 7 / 2010م - 1:24 م
جميل القول هو ما يعبر القلوب، ليعبر عن مكنون الضمير، فيرشف من رحيق المشاعر التي هي مزيج من منضومة الملكوت الأنساني ـ نعم يا عزيزي الأستاذ كما قلت تماما (إن المشاعر متصلة بالضمير ، وبعملية التفكير ، وبالهبة الغامضة التي وهبنا الله إياها وهي " البصيرة " ) . وطالما أننا في شهر شعبان شهر النبي الكريم عليه وعلى آله الصلاة والسلام ننقل مقطع عظيم من مناجاة أمير المؤمنين الشعبانية «وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتّى تخرق أبصار القلوب حجب النور ، فتصل إلى معدن العظمة ، وتصير أرواحنا معلّقة بعزّ قدسك» .
جعلكم الله من أصحاب السلوك إلى الله عز وجل والمشع بمشاعر العطاء ونداء الضمير الحي «لِمَن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد» .دمتم بخير
2
ابراهيم بن علي الشيخ
18 / 7 / 2010م - 9:15 ص
الأستاذ الكريم : عابر سبيل
لقد أفضت بروحك الروحانيات ، ونثرت عطر الكلمات ، فأضاء من بين سطورك قبسٌ من نور الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم اجمعين . فشكراً لك على مداخلتك التي تكرمت فيها بالدعاء لمن يحتاجه ، لأنه منتهى مراده ومعراجه . دُمت في الوجود من الشاكرين . مودتي .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية