خواء العلاقات الإنسانية

منى الرمضان

الحب مبدأ لكل وَصلة خير في تركيبة الإنسانية ، ونور سماوي لِتَقَرُبُنا الرحماني والروحاني من خالقنا وربُنا الله جل جلاله ، وسحر يَقلب البشاعة نظارة والبهاته بهاء وإنجذاب ، وطاقة تروي قلوبنا بالحيوية والعنفوان ، والأمل المستمر بحياة بَهيجة مع كل ما يحيطنا ، حتى الجماد يشعر بالطاقة المنبثقة من قلوب المحبين فالبيت الذي ينبض قلوب ساكنيه بالحب الصادق تشع جدرانه بذبذبات توحي لداخلي الدار بالطمئنينة وهدوء النفس ، وكما قيل القلوب شواهد والعيون مخابر ، تُخبر ما في الصدور وتصور ما في النفوس فلممتلئ صدره حُب ترى نظراته رفق ولين ،  ويَشهد فاه بكلمات الحنين ويزداد تأمله في أحوال الآخرين ، ومن ساد قلبه البغض شرّت عيناه سهام الآثام وتسلّط لِسانه ببغيض الكلام وعَلا حقده على الأنام  .

إذن لماذا بعد هذا الجمال وهذا الكمال في ( حياة المحبين ) وبعد أن وُصِف بأنه لُب الدين بِمقولة الصادق الأمين ( وهل الدين إلا الحب ) تجاهلناه فيما بيننا ، وطغى على صفاءهُ المحسوبيات والمصالح رغم أن مفعوله وبقاء حلاوته في القلب والروح يدوم العمر كله ، على عكس المصلحة الآنية فليس لها ضلال ولا أثر .

في رأي يرجع ذلك إلى إنقلاب مفاهيم الحب وروح العطاء عمّا كانت وتشوهت وناحرفت في زماننا عمّن سبقونا ، بسبب ميولنا  للماديات والمحسوسات من الأمور وأصبحنا بلداء الحس جامدوا الشعور لما حولنا من جمال وطبيعة تستحق الحب والتأمل ، ولأُناس تربطنا معهم رحم وجيرة وأخوه يستحقوا العطاء والوصال .

ومن ناحية أخرى تغيّرت السلوكيات الإجتماعية بين بني البشر وبَرَدَ التواصل ، فليست جدرانهم الأسمنتية هي الوحيدة الفاصلة بينهم  كذلك قلوبهم تصلّبت بِلطخ الغلظة وأرواحهم بِطبقات من النفور وأعينهم بنظرات من الشرور ، ومن اسمى العلاقات الإنسانية التي تبدّل  جوهرها الأصِيل ، ذاك الرباط المقدس بين رجل وامرأة بذلك العقد الإلهي المحبوك بميثاق المودة والرحمة ، والبشر في ظل هذا التغيير والإبتعاد عن الروحانيات ضُيقت النظرة لهذا الميثاق إلى نظرة  للجسد دون الروح  كدرجة أولى وإلى تفاخر ومظاهرومطامع ومنافع وشكليات ، وخلا الميثاق من طلب السَكن والسَكينة وتجاوزالتسامح والرضا النفسي ، والتلاحم والذوبان الروحي ، وأنقلبت آياته من لِباس يواري كُلاً منهم سَوءَة الآخر ، إلى مسرح فضائح وخلافات وقلوب مستنفره ، فقد إنعدم صفاء الحب بما يحمل من معاني رائعة من قلبيهما .

وعليه أَرى على صاحب القوامة ومن بيده الربط والحل أن يبادر زوجته بحنان القول ولمسة الوصال ودفئ العِناق وقُبله الإشتياق ، ليقع في قلبها هذا الإحساس ولايبارحهُ أبدا ، فبيدك عزيزي الزوج مفاتيح ذهبية لإنعاش وإشعال  برودة العواطف من حيطان وأروقة دارعرسك ، بِبسط رداء مفعم بالحب الصادق والصافي المُلهب للمشاعر حتى أعظم علاقة بينك وبينها لا تجعلها روتينية ومن طرف واحد  ، فالجنس عند المرأة ليس هدف مباشر في إقترابها منك فهي تبدي إهتمام وإرتياح كبير لما يسبق هذه اللقاء الحميمي من تهيئة نفسية وجسدية .
 
ومن العوامل المهمة التي تختلف عنك فيها نفسياً وعاطفياً ويجب أن تعطيها إنتباه ، هي طبيعة المرأة في التعبير عن مكنونات نفسها بكثرة الكلام والشرح فاستمع لها بجدية فهي في أغلب الأحيان لا تريد حلاً ولا نصيحة  ، فكل ما تريد قلب حنون وثغر بَسوم ،  لتُخرج ما يجول في ذهنها وقلبها من أفكار وأمنيات وتشكّيات وهواجس تقلقها أدنو منها ألمس يدها بحركة تظهر إحساسك بها ووجّه ناظريك إليها ، تعاطف وتفاعل معها وجدانياً بإبداء تفهم لحاجاتها، فأنت بصنيعك هذا تحفر حبك في قلبها حُفرا لا يلغيه طول الزمان أو تغيّر المكان ، وسُتبادلك وتُقابله بتفاني وحب وأنوثة وعطاء فيّاض أضعاف أضعاف ما قدمت ، فسعادة دورنا بأيدينا علينا فقط أن نلتفت لها ..