القراءة بين FOMO وJOMO

عندما صاغ الدكتور دان هيرمان مصطلح «FOMO» لأول مرة في عام 1996، لم يكن يتصور قطُّ أن الحالة هذه سوف تنتشر كما هي عليه اليوم، ولم تكن الإنترنت أيضًا منتشرة في العالم.

ويعني مصطلح «FOMO» الخوف من فوات شيء ما «Fear Of Missing Out»، وهو ما يستدعي ممن يعاني هذه الحالة في أيامنا هذه أن يبقى متابعًا للأخبار التفصيلية على وسائل التواصل الاجتماعي، بحيث لا يستطيع منها فكاكًا طوال اليوم؛ كما أنه يظل خائفًا من فقدان الفرص الضائعة من عدم المتابعة. وقد أضيفت هذه الكلمة إلى قاموس أكسفورد في عام 2013.

ويرجع بعض علماء الاجتماع سبب التصاق الناس بهذه الوسائل إلى ما يسمونه إشباع الحاجة إلى المراقبة «Surveillance Gratification»، التي تعاظمت في العقود الأخيرة مع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.

وما يهمنا من معرفة هذا المصطلح الآن هو التغلب على تأثيرات هذه الحالة في الأنشطة الحقيقية والمهمة في حياتنا، وبالتحديد القراءة، التي أصبحت أهون الضائعين والمفقودين في خضم هذه الثورة المعلوماتية والاندفاعة القوية تجاهها، والتي ينجر إليها جيل اليوم وبالذات الشباب، الذين فتحوا أعينهم على هذه الدنيا وهم يرون وسائل التواصل الاجتماعي.

وتكمن مشكلتنا مع «FOMO» في أن المتورط فيها قد يظن - وهو في خضم هذه الأمور - بأنه يقرأ؛ لكونه يقرأ بعض النصوص القصيرة أو الرسائل أو أخبار بعض المشاهير. لكن الحقيقة أن هذه أخبار سطحية للغاية، ولا تضيف إلى الخزينة المعرفية لصاحبها معلومات مفيدة تستحق ولو جزءًا من الوقت المرصود لها، بل إنها من أكبر سارقي وقت الإنسان مما يفيده.

وأحد الحلول للخلاص من هذه المشكلة هو الانتقال إلى حالة أو فئة شبيهة لـ «FOMO» في الاسم، وهي حالة تسمى «JOMO»؛ اختصارًا لـ «Joy Of Missing Out»، وهو متعة فقدان الشيء؛ أي الانتقال من حالة «الخوف من فقدان شيء» إلى حالة «متعة فقدان الشيء»، وهو سيعني الابتعاد عن العالم الافتراضي باتجاه العالم الحقيقي. ويتضمن هذا التحول عددًا كبيرًا من الأنشطة الحقيقية، ومن بينها القراءة، التي كان لها نصيب مهم في حياة الناس قبل مدة ليست بالبعيدة، حينما كان الناس ينتظرون صدور مجلة ثقافية أو أدبية أو حتى فنية، أو ينتظرون صدور أحد كتب سلسلة دار نشر شهيرة لكي يستمتعوا بقراءته، وقد كانت هذه الأنشطة بالفعل تملأ حياة الناس آنذاك، وكانت نسخ المجلات تنفد من بعض المكتبات أو منافذ البيع في وقت قصير جدًّا.

إننا بحاجة إلى إعادة النظر بجد في تشكيل علاقتنا بالواقع الافتراضي وبوسائل التواصل الافتراضي، التي لم تبق لأنشطتنا الحقيقية سوى القليل من الوقت، حتى صرنا نرى شريحة من الناس بدلًا من أن تتنافس على الأنشطة الاجتماعية والمساهمة في الأعمال التطوعية أو في جمعيات النفع العام، أو حتى الاستمتاع بأوقاتهم مع عائلاتهم الصغيرة أو الممتدة، يتحول طموحهم إلى الحصول على أوسمة شرف خاصة أو نجوم من إحدى وسائل التواصل، أو حصولهم على عدد أكبر من المتابعين.

هذا فضلًا عن أن المبالغة في متابعة هذه الوسائل تقتل حتى حالة الامتنان والقناعة لدى الناس، إذ تُوقعهم في فخ المقارنات مع المشاهير الذين يُظهرون فقط الوجه المثالي والحسن من حياتهم ويتجاهلون مشكلاتهم. بل إن بعض هؤلاء المشاهير يعيش حياة بائسة يعوض عنها بالسعي إلى زيادة عدد متابعيه على وسائل التواصل. ولو كان هؤلاء المشاهير مستمتعين بحياتهم الأسرية ويعيشون اللحظة بحالة من الهناء لما احتاجوا بالفعل لنشر أخبارهم الشخصية على الملأ، طامعين بعلامات إعجاب أو تعليقات.

وليعلم هؤلاء بأن ملاحقة بعض المشاهير على وسائل التواصل لا يمكن أن تنتهي، ولا يمكن أن يصل من يقوم بها إلى نتيجة مُرْضية له، بل إنها قد تشكل خطرًا على الصحة النفسية نتيجة اللهاث الذي لا ينتهي خلف هذه الأخبار، فضلًا عن تبديد الأوقات فيما لا يفيد، وفي النهاية لا يأتي وقت النوم إلا وقد وجد الإنسان نفسه منهكًا ولا يتبقى له أي طاقة لنشاط آخر مثل القراءة أو رفع مستواه أو حتى تطوير ملكاته الذاتية أو قدراته التي يمكن أن يفيد منها في مستقبله العائلي أو الوظيفي.