الجينوم سعودي؟... والنعم!

منذ ظهور فيروس «كوفيد 19» وإلى هذه اللحظة ونحن نستمع يوميا للكثير من القصص والتحليلات في محاولات مضنية لمعرفة السبب والمتسبب وراء انطلاق هذا الوباء الذي أنهك العالم وتسبب في الكثير من الخسائر المادية والمعنوية.

يرى البعض أن هذا الفيروس كأي فيروس موجود على سطح الأرض وانطلاقه ليس إلا وليد الصدفة وعادات أكل غريبة لشعب تعود على أكل كل ما دب على سطح الأرض.

البعض الآخر يرجح التدخل البشري وصنعه مخبريا لاستخدامه كسلاح بيولوجي وخصوصا بعد رؤية مدى تأثيره على أكبر دول العالم وأقواها. مما يوصلنا لفكرة الهندسة الوراثية وهي تقنية يتم فيها التدخل البشري المباشر للتعديل على المادة الوراثية «DNA»، أي جينات الكائن الحي لإنتاج كائن معدل وراثيا.

إذا صح التحليل الأخير فسيكون العالم في مواجهة الكثير من الأسلحة الجديدة الأقل حجما وسعرا لكن أسوأ فتكا على الإطلاق من أسلحة الحروب المعتادة. من المهم جدا وضع قوانين ومعاهدات دولية ترتكز على أسس أخلاقية للحد من إساءة استخدام هذه التقنية ولحماية البشرية.

تعتبر الهندسة الوراثية سلاحا ذا حدين وبغض النظر عن الجانب المرعب منها، فقد استخدمت الهندسة الوراثية في الصناعة لإنتاج الكثير من السلع الكيميائية التي تعتمد في إنتاجها أساسا على الكائنات الحية كالإنزيمات مثلا. وربما يتذكر الكثير منا النعجة دولي التي استنسخت في التسعينيات من الحمض النووي لوالدتها. إذ استخدمت هذه التقنية أيضا في الزراعة لإنتاج محاصيل زراعية مختلفة وسمحت للمزارعين بإنتاج سلالات من الماشية أكثر تلبية لحاجات البشر وبوقت وتكلفة أقل.

للهندسة الوراثية تطبيقاتها الطبية أيضا كإنتاج الإنسولين من البكتيريا وهو عقار مهم لمرضى السكري من النوع الأول، إنتاج الهرمونات المختلفة كهرمون النمو البشري، وتصنيع الكثير من العقاقير واللقاحات. إضافة لفهم الأمراض المتعلقة بالجينات والموروثات الجينية للوصول لتشخيص دقيق ومن ثم علاج مفصل شخصيا لكل فرد بحسب معلوماته الوراثية.

تحدثنا في المقالات السابقة عن فقر الدم المنجلي ومعاناة مرضى فقر الدم المنجلي وطرحنا بعض الحلول التي لن تنجح إلا بوعي المواطنين وإدراكهم لخطورة الموضوع وتجاوبهم مع التحذيرات الطبية ثم اتخاذهم القرار الصحيح المبني على إحساسهم بالمسؤولية وذلك ما تراهن عليه الدولة. إن العالم في سباق محموم لبلوغ القمة، والصراع بين قوى الخير والشر باق ويتطور بتطور التقنيات لكن لا يزال هذا الوطن المعطاء يواصل إبهارنا بالأفكار الجديدة والعمل الدؤوب لتحقيقها ليرتقي بشعبه ويسابق دول العالم بكل أشكال النهضة والتطور والهمة للوصول للقمة. خطط طويلة المدى بأهداف مستقبلية كبيرة غايتها حياة أفضل للشعب السعودي الكريم.

خرجت لنا مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية بالشراكة مع 7 مختبرات بمشروع وطني جديد هو مشروع الجينوم السعودي الذي يعد أحد أهم وأكبر المشاريع في الشرق الأوسط لوضع خطة جينية سعودية لدراسة الجينات الوراثية المسببة للكثير من الأمراض مثل ألزهايمر، السكر، التوحد، السرطان، وأمراض الدم الوراثية المختلفة كالثلاسيميا والأنيميا المنجلية وغيرها للوقاية منها وإيجاد علاجات مستقبلية فعالة لها.

ويهدف المشروع لبناء قاعدة بيانات وراثية وجينية ضخمة ومتطورة للمجتمع السعودي ستستخدم في الوصول لتشخيص أدق للأمراض، إيجاد علاجات شخصية مناسبة للأفراد بناء على معلوماتهم الوراثية والجينية وأيضا إمكانية وقايتهم من الكثير من الأمراض. سيوفر هذا المشروع المعلومات الكافية للعلماء والباحثين وسيفتح المجال لاكتشافات طبية مستقبلية كبيرة للحد من الأمراض وتعزيز صحة الإنسان.

 

كاتبة صحفية