سيد الشعائر

في البداية لا أريد أن أتوسع في النبذة عن الاحساء فقد كتبت في ذلك مقالات مستقلة ومقدمات لمقالات أخرى.

ولو كتبنا في ذلك بشكل موجز لعلمنا بأن للاحساء تاريخاً ضارباً في القدم فتاريخها يعود إلى أكثر من «4000 الآف سنة قبل الميلاد وتعاقبت عليها حضارات كثيرة وأقوام عدة كالساميين والفينيقيين والكنعانيين، وغيرهم» «1».

وأما من الناحية العلمية فالكثير منا يعرف بأن الاحساء كانت محط رحال كثير من العلماء وأهل العلم «حتى أنه قيل في قرية التيّمية وحدها أكثر من أربعين عالماً مجتهداً» «2»

وقد ورد عن النبي الأعظم «عليه الصلاة والسلام» أنه قال في حق هجر «لو فقدَ الإسلام في الأرض لوجد في هجر» «3»، وعلى لفظ آخر «لو فقد العلم».

فمن هذا يتضح أن الاحساء لها مكانة علمية كبيرة منذ عصر صدر الإسلام ولعلمائها المكانة نفسها حتى عصرنا الراهن في الحواضر والحوزات العلمية على المستوى العلمي سواء في النجف الاشرف أو قم المقدسة والبصرة وبغداد وغيرها من الحواضر العلمية.

وهناك أسماء أحسائية علمية كثيرة تشهد بذلك أذا ما تكلمنا عن العصر الحديث، فإليك على سبيل المثال سماحة العلامة السيد طاهر السيد هاشم السلمان «قده»، سماحة الشيخ محمد الهاجري «قده»، سماحة الشيخ حسين الخليفة «قده»، سماحة الشيخ علي بن شبيث «قده»، سماحة الشيخ علي الدهنين «حفظه الله»، سماحة السيد محمد علي السيد هاشم العلي «رضوان الله عليه» وتعمدت أن تكون هذه الشخصية هي الأخيرة لأني أريد الوقوف عندها فهي محط مشاركتنا هذه، فالسيد رحمه الله شخصية علمية وعلمائية أحسائية بارزة تكاملية في عدة جوانب فنحاول أن نتطرق إليها بشكل مختصر، فيما يلي: -

* مولده: -

اتُفِقَ على مكان ولادته وهو النجف الاشرف واخُتلِفَ في زمانه فقد تردد بين 1354 هـ  - 1355 هـ  - 1356 هـ  «4»، فقد اختار الأول الأستاذ سلمان الحجي في كتابه هكذا وجدتهم، فيما اختار الثاني السيد هاشم الشخص في كتابه أعلام هجر وموقع الاجتهاد على الانترنت وأختار الثالث الشيخ محمد صالح المطر في كتابه روائع الأدب الفاطمي، ولعل الأقرب هو الثاني فهو محدد بالشهر حيث أنه يحدد ولادة السيد في شهر ذي الحجة وهو أكثرها شيوعاً شفهياً.

* شخصيته: -

اتسمت شخصية السيد «رض» بمجمل صفات مكارم الأخلاق وتميزت بثلاث صفات؛ التواضع والعطاء وعشق أهل البيت .

فيقول الشيخ حسين البوخضر «أن السيد كان يجالسهم ويعاشرهم من أول مجيئه من النجف الاشرف عام 1396 هـ ، وكان يخالط الناس بشكل أعتيادي وفي أي وقت» «5».

وتنقل قصة شاهد على تواضعه، فقد قيل أن أحدهم جاء ليسلم للسيد الحق الشرعي «الخمس» فقال له السيد أذهب إلى الشيخ حسين الخليفة فأراد ذلك الشخص أن يمتدح السيد على الشيخ فما كان من السيد إلا أن صغّر نفسه بكل المعاني والكلمات وامتدح الشيخ حسين وقال أذهب بالمبلغ إلى الشيخ حسين ورفض السيد أن يأخذه.

ولا تخلو نفسية السيد وسريرته من الدعابة والطرفة، فعندما يتحير في اسم أحد أو لا يراه جيداً أو ربما لا يعرفه «فكثيراً ما يناديه بيا موسى أو يا عيسى» «6».

وأما من جهة عطاء السيد فحدث ولا حرج فقد كان السيد «رحمه الله» هو القائد المحرك إن صح التعبير لكل الفعاليات للطائفة في الاحساء ولاسيما في المبرز سواءً على المستوى الديني أو الاجتماعي أو العلمي... الخ

*فعلى مستوى عطاؤه العلمي كان هو المؤسس للحوزة العلمية بالاحساء بعد مجيئه من النجف الاشرف وكان هو القائم عليها وعلى شؤونها من عام 1397 هـ  - إلى عام 1413 هـ ،

- كان أستاذاً في الحوزة العلمية للبحث الخارج إلى ما بعد عام 1435 هـ 

- ومن أبرز عطاؤه العلمي مؤلفاته التي ناهزت العشرين مؤلفاً تقريباً والتي منها: -

1 - هذه فاطمة ، «جزءان» 2 - في سبيل حوار ملتزم

3 - هكذا نرد 4 - حديث الكساء

5 - الاستخارة 6 - البكاء على الإمام الحسين

7 - العبادة حق الله علينا 8 - القيمومة لمن؟

9 - حل المشاكل بذكر مآثر أهل البيت 10 - الأربعين «شعر»

11 - اللوعة، عدة أجزاء «شعر» 12 - أفراح الولاء «شعر»

13 - «في طريق الاستنباط «فقهي استدلالي» 14 - رسالة في الاستصحاب

15 - الطريق إلى الله «كتاب عرفاني» 16 - في رحاب أهل البيت

17 - ذكريات أهل البيت 18 - الدموع «شعر»

19 - الشجى «شعر» «7»

*ومن عطائه الديني الذي كان لا ينضب أنه كان وكيلاً شرعياً لكثير من المراجع العظام.

- إمامته للمصلين في المسجد الشرقي ومسجده الكائن في حي النزهة، وغيرهما من المساجد.

- تأسيس جلسة ليلة الأربعاء في مسجد الإمام الحجة (عج) «جويخ» بالقرب من قرية بني معن

- جلسة الدعاء للإمام الحجة (عج) كل ليلة جمعة في المسجد الشرقي الكائن في محلة الشعبة بالمبرز.

- قراءة زيارة عاشوراء كل يوم جمعة في ذات المسجد.

*ومن عطائه الاجتماعي «قده»: -

- التصدي للزواج الجماعي لمدينة المبرز

- كان مساهما ً فعّالاً في جمعية البر في محلة الشعبة

- كان مساعداً للفقراء وكافلاً ويعول الكثير من الأيتام وكنت وكانت الأسرة والعائلة من العوائل التي كفلها السيد «رض» فقد فقدنا الأب منذ الصغر فكان سماحته يعولنا بتقديم بعض الأطعمة لنا بطريقة لا يحسسنا فيها بالمَنّ أو الحرج، فكنا نذهب إليه ونطرق بابه ويمد لنا يده فقط ويخرج لنا الحاجة من وراء الباب، كان ذلك في عام 1397 هـ  وإلى عام 1402 هـ  تقريباً.

ولا يفوتني في هذه الفرصة أن أدعو لأمي الحنون أطال الله في عمرها، فقد كان لها كل الدور في رعايتنا وتعليمنا في الارتباط بأمثال هذا السيد الجليل والصلاة خلفه منذ الصغر بعد فقدان الأب وهي حبلى بي فقد جئت إلى الدنيا ولم أرَ أبي فكانت ولازالت هي الأب والقدوة والمربي.

ونصل إلى عشق السيد لأجداده وهي السمة الثالثة البارزة في سجاياه وصفاته لنرى جده واجتهاده في ذلك ويتمثل ذلك جلياً في إقامة العزاء على أرواحهم الطاهرة في المسجد الجبلي «الكبير»، وكذلك إقامة المآتم الحسينية في منزله الكائن في حي النزهة وهو كذلك مَن سنّ توزيع البركة في ساحة الأربعين وكذلك إقامة مهرجان مولد السيدة الزهراء بشكل سنوي حيث تبنى هذه الفكرة وأطلقها في عام 1405 هـ .

وأخيراً نذكر قصة على لسان الشيخ الدكتور عادل الأمير في هذا الصدد «أعني عشقه لأهل البيت وهي «في صبيحة يوم العشرين من شهر صفر قبل حوالي أربع عشرة سنة «8» تلقيت اتصالاً من السيد يبلغني من خلاله أنه يريد مقابلتي وفعلاً توجهت لمقابلته، دخلت له بالبشاشة والأريحية كما عودنا في مجلسه إلا أنني وجدته مكتئباً على غير عادته وقد غاب عن ذهني في تلك اللحظات أن اليوم الأربعين وبمجرد أن أستقر بي المجلس حدق في وجهي عن قرب شديد وقال شيخ عادل اليوم أربعين الحسين فماذا أعددت وما كاد يكملها حتى خنقته عبرة انفجر على أثرها بالبكاء الحار» «9». وهذا أن دل على شيء فإنما يدل على ذوبانه وعشقه لأهل البيت عليهم الصلاة والسلام وبهذا أستحق وبكل جدارة أن يكون وأن يلقب بسيد الشعائر وسفير الحسين.

* تحصيله العلمي: -

سأتطرق لبداياته وتعداد بعض أساتذته وتلامذته بغية للاختصار: -

بعد أن تعلّم السيد القراءة والكتابة وقراءة القرآن، بدأ دراسته الحوزوية عام 1366 هـ  وهو ابن أحد عشر عاماً «10»، وفي شهر رجب من عام 1367 هـ  هاجر إلى النجف الاشرف برفقة والده السيد هاشم لإكمال تحصيله العلمي، أكمل المقدمات وعاد إلى الاحساء عام 1373 هـ ، تزوج من إحدى قريباته وكرّ راجعاً إلى النجف الاشرف وحضر هناك للسطوح العليا وثم البحث الخارج فقهاً وأصولاً.

من أساتذته في المقدمات: -

1 - والده السيد هاشم السيد حسين العلي

2 - السيد محمد السيد علي الحسن

3 - السيد طاهر السيد هاشم السلمان 4 - السيد ناصر السيد هاشم السلمان

5 - السيد محمد السيد علي الناصر السلمان

ومن أساتذته في مرحلة السطوح: -

1 - السيد ناصر السيد هاشم السلمان

2 - الشيخ محمد كاظم الشيخ شمشاد حسين النجفي

3 - الشيخ علي عبد العزيز زين الدين البصري البحراني «أخو المرجع الشيخ محمد أمين زين الدين»

ومن أساتذته في البحث الخارج: -

1 - السيد أبو القاسم الخوئي «قده»

2 - السيد محمد باقر الصدر «قده»

3 - الشيخ محمد الشيخ عبد الله آل الشيخ راضي النجفي

4 - السيد نصر الله السيد رضي الدين السيد أحمد المستنبط

من تلامذته: -

سأذكر أبرز تلامذته بغية للاختصار أيضاً: -

«1 - الشيخ إبراهيم علي البطاط 2 - الشيخ جعفر بن عباس المطر

3 - الشيخ حبيب بن إبراهيم المطاوعة 4 - الشيخ حسن بن علي السعيد «رح»

5 - السيد حسين السيد محمد السيد حسين العلي 6 - الشيخ رستم بن حسين الرستم

7 - الشيخ عبد الخالق بن علي الحاجي 8 - الشيخ عبد الكريم بن علي البحراني «رح»

9 - السيد عبد الله السيد باقر العلي «رح» 10 - الشيخ عبد الله بن حسين السمين «رح»

11 - السيد عبد الله السيد هاشم العلي «أخو المترجم له»

12 - الشيخ عبد الوهاب بن محمد البحراني 13 - السيد عدنان بن محمد الناصر

14 - السيد علي السيد طاهر السلمان 15 - السيد علي السيد هاشم العلي «أخو المترجم له» «11»

وغيرهم كثير مما لا يتسع المجال لذكرهم.

* الأسرة والعائلة الكريمة: -

- الأب: - هو السيد العلامة جليل القدر هاشم بن السيد حسين بن السيد محمد العلي، المتوفى سنة 1390 هـ 

- والدته: - هي كريمة المقدس المرجع السيد ناصر السيد هاشم السيد أحمد السلمان، أخت كل من السيد محمد والسيد علي الناصر السلمان.

- الزوجة: - «هي كريمة السيد أحمد السيد حسين العلي أخ السيد محمد العلي «القاضي» «12»

وللسيد ذرية تتمثل في ثمان أبناء وأربعة بنات، نكتفي بالتعريف بالأبناء، وهم: -

1 - «السيد محمد رضا: مواليد الاحساء في 15 شعبان عام 1378 هـ  «طالب علم»

2 - السيد جواد: مواليد العراق - عام 1383 هـ  «أعمال حرة»

3 - السيد علي: مواليد العراق - 1384 هـ  «طلب العلم ثم أتجه إلى الأعمال الحرة وقد رأيته يعمل في المكتبة العامة للحوزة فترة من الزمن».

4 - السيد باقر: مواليد العراق - 1385 هـ  «أعمال حرة»

5 - السيد مهدي: مواليد الاحساء - 1392 هـ  «أعمال حرة»

6 - السيد كاظم: مواليد الاحساء - 1395 هـ  «معلم لمادة الفيزياء بمدرسة هشام بن عبد الملك الثانوية»

7 - السيد صادق: مواليد الاحساء - 1400 هـ  «أعمال حرة»

8 - السيد مرتضى: مواليد الاحساء - 1403 هـ  «موظف قطاع خاص» «13»

الرحيل والوفاة: -

انتقل هذا العَلم العملاق إلى جوار ربه في يوم الثلاثاء 7d1 هـ ، وتم تشييعه تشيعاً مهيباً وذلك يوم الخميس 9d1 هـ  حضره على بعض التقديرات والإحصاءات أكثر من ثمانية وعشرين ألف شخص ولشدة الزحام أقيمت الصلاة على جثمانه الطاهر ثلاث مرات بإمامة السيد علي الناصر والسيد عدنان الناصر وتلميذه الشيخ غالب آل حماد من محافظة القطيف، وذلك في مقبرة محلة الشعبة أو ما تعرف بمقبرة العلماء.

وقد رثاه جملة من شعراء المنطقة والذين من جملتهم الشاعر الكبير الأستاذ جاسم الصحيح، حيث قال: -

«ننعاك شوقاً ولا ننعاك خسرانا... فما برحت لنا فجراً وقرانا

وكعبة من تراتيل نطوف بها... طوف الفراشات يستلهمن بستانا

ومنبعاً ما عدمنا في شواطئه... ماء الوضوء لكي نمحو خطايانا» «14»

وقال الشاعر ناصر الحجي: -

«انجرح قلبي يا سيد واليموت يغيب... ما تخيل يغيب اليخدم العترة

انجرح لن الليالي بلا قمر تعذيب... وحس طعم الحياة بسفرتك مرة» «15»

رحم الله سيدنا الجليل رحمة الأبرار وجزاه عما قدّم للإسلام والمسلمين خير جزاء المحسنين ولا نملك إلا أن نتمثّل بقول الإمام صاحب العصر عجل الله فرجه في حق الشيخ المفيد «رض»: -

لا صوّت الناعي بفقدك أنه... يوم على آل الرسول عظيم

أن كنت قد غيب تحت أطباق الثرى... فالعدل والتوحيد فيك مقيم

رحلت «حياً» وطبت ميتاً، إنا لله وإنا إليه راجعون.

1 - البراهيم، إبراهيم وعبد الله حسين - 500 سؤال وجواب في الاحساء، ص 10 - الدار الوطنية الجديدة - ط 1,1426 هـ
2 - الشخص، السيد هاشم السيد محمد - أعلام هجر، ج 1 ص 75 - مؤسسة أم القرى للتحقيق والنشر - ط2، شوال 1416 هـ .
3 - العباد، الشيخ حسين - لمحة عن آية الله الشيخ محمد الهاجري، ص 6 - نقلاً عن كتاب قرة العيون للسيد حسين بن سيد جعفر اليزدي «مخطوطة».
4 - هكذا وجدتهم للأستاذ سلمان بن حسين الحجي ص 280، وأعلام هجر للسيد هاشم بن سيد محمد الشخص ج5 ص 317، وروائع الأدب الفاطمي في الاحساء للشيخ محمد صالح الشيخ كاظم المطر ص 193,5 - مكالمة هاتفية مع الشيخ حسين بن علي البوخضر في يوم الأحد 20 رجب 1441 هـ
6 - ذكر ذلك السيد هاشم بن السيد علي العلي ابن أخ المترجم له.
7 - أعلام هجر، ص 345 - 356
8 - هذه القصة الآن يكون قد مرّ عليها تسع وعشرون عاماً لأن الشيخ يرويها عام 1426 هـ وقال أنها منذ أربع عشرة عاما بالإضافة إلى الخمسة عشر سنة مضت بعد هذا التاريخ فتكون تسع وعشرين عاما لأننا الآن في عام 1441 هـ
9 - ملف «مجلة» فجر الاحساء، عدد محرم 1426 هـ ، ص 9
10 - أعلام هجر ص 317
11 - نفس المصدر ص 330 - 334 «بتصرف»
12 - اتصال هاتفي مع السيد هاشم بن السيد علي العلي «ابن أخ المترجم له» في يوم الثلاثاء 22 رجب 1441 هـ .
13 - اتصال هاتفي يوم الأحد 20 رجب وتواصل عن طريق الوات ساب يوم الثلاثاء 22 رجب 1441 هـ مع نجل المترجم له السيد كاظم السيد محمد علي السيد هاشم العلي.
14 - عن طريق برنامج الفيديو الشهير «اليوتيوب» على شبكة الانترنت.
15 - عن طريق اليوتيوب.