همسات في محراب الحقيقة
في رحاب الوجود الفسيح، حيث تتناثر أنجم الفكر وتتراقص ذرات المعرفة، يرتفع صوتٌ خافتٌ يصدح بحقيقة أزلية، ويُعلن عن سِرٍّ قديمٍ يتجدد مع كل نبضة قلب. إنها ليست مجرد حروف تُخط، ولا كلمات تُنطق، بل هي تجليات لمعانٍ عميقة تلامس شغاف الروح وتوقظ الفكر، لتعيد صياغة فهمنا للحياة ولذواتنا في هذا الكون. دعونا نتأمل سويًا هذه الكلمات التي وإن بدت بسيطة في ظاهرها، إلا أنها تحمل في طياتها حكمًا تتجاوز الزمان والمكان.
والله لو صاحب الإنسان جبريل، لم يسلم المرء من قال ومن قيل.
آهٍ لو يعي الإنسان هذه الحقيقة، لو يدرك أن دروب الحياة محفوفة بالآراء والأقاويل، وأن ألسنة البشر لا تتوقف عن النقد والتحليل. حتى لو بلغ المرء أوج الطهر وذروة الكمال، فلن يسلم من سهام القيل والقال. إنها طبيعة بشرية متأصلة لا تُميز بين عظيم وشريف، بين بريء ومذنب. فكم من نفس طاهرة عانت من سهام الألسنة، وكم من قلب نقي جُرح بسياط القيل والقال. إنها ضريبة الوجود، ثمن ندفعه في كل حين. دعنا لا نُعير اهتمامًا زائدًا لما يُقال عنا، ولنثبت أقدامنا على طريق الحق دون الالتفات إلى رياح الشائعات.
لقد قيل في الله أقوالًا منصفة تتلى إذا رتل القرآن ترتيلاً.
وما أعظمها من حقيقة! فالخالق الأعظم، الذي وسع كرسيه السماوات والأرض، لم يسلم من ألسنة بعض البشر. قيل في جلاله ما يندى له الجبين، ورُمي بالبهتان والتضليل. فمنهم من نسب له الولد، ومنهم من ادعى له الصاحبة، وهي أقوال تُنكرها الفطر السليمة، وتلفظها العقول النيرة. فالله، تعالى وتقدس، واحد أحد، فرد صمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. إنها إهانة ما بعدها إهانة، وجهالة ما بعدها جهالة، أن تُنسب هذه النقائص لمن بيده ملكوت كل شيء.
فهذا قولهم في الله خالقهم، فكيف لو قيل فينا بعض ما قيل! هنا تكمن العبرة، وهنا تتجلى الحكمة. إذا كان هذا هو حال الخالق، جل جلاله، مع بعض خلقه، فكيف بنا نحن البشر؟ كيف بنا ونحن ضعفاء، نخطئ ونصيب، نذنب ونتوب؟ إنها دعوة للتأمل العميق، للنظر في مرآة الذات والوعي بأن ما يُقال في حقنا ليس سوى صدى لما هو أعمق وأشمل. فإذا لم يسلم الحق من الباطل، والصدق من الكذب، والجلال من الافتراء، فكيف نتوقع نحن الكمال في أقوال الناس عنا؟
وفي الختام، يا من يقرأ حروفي هذه، دعني أهمس في أذنك بحقيقة تتجاوز كل قول. إن قيمة المرء لا تقاس بما يُقال عنه، ولا تُحدد بما يُنسب إليه من أقاويل. بل تُقاس بثباته على المبادئ، بتمسكه بالحق، وبصدقه مع ذاته ومع ربه. فلتكن أقوال الناس مجرد همسات عابرة لا تُثني من عزيمتك، ولا تُغير من جوهرك. ولتكن إيمانك بذاتك، وثقتك بخالقك، هما صمام الأمان الذي يحميك من سهام النميمة، ورياح الزيف.
ارفع رأسك عاليًا، وسر في درب الحياة بيقين وثبات، فالحقيقة أسمى من أن تُشوهها الأقاويل، والصدق أقوى من أن تهزمه الأكاذيب. تذكر دائمًا: عظمتك تكمن في جوهرك، لا في لغو من حولك.