الرباعية في السياسة الإستقطابية

كيف يتسنى لأصحاب التوجهات الإستقطابية جذب المؤيدين لهم ، والمناصرين لأفكارهم ؟ وكيف يمكنهم التسويق والترويج لبضائعهم إن جاز التعبير ؟ وما هي الوسائل والطرق الإستدراجية التي يلجأون إليها لجذب زبائنهم من الشباب الذين لا حول لهم ولا قوة في مسألة إتخاذ القرار نحو الإختيار حتى ولو كان الهدف نبيلاً  ؟       

إنني لا أقصد بمقالي هذا جماعة بعينها ،  بل كل جماعة إتخذت من هذه الرباعية منهجية لجلب المؤيدين والمناصرين وتحويلهم إلى خلايا نشطة أو نائمة سيان ، تستخدمها في تعزيز مكانتها ومزاولة نشاطاتها التي تحوِّل الشباب إلى أدوات تنفيذية لمضامين خطة تتصف بالرغبة في التوسع والإنتشار ، وليس بالضرورة أن تكون أهداف الجماعة " ضد الصالح العام " بل ربما تصب في خدمة الشباب والمحافظة عليهم ، إلاَّ أن ما يشوه هذا الهدف النبيل هو إحكام السيطرة على توجهات الأتباع .    

الخطوة الأولى في هذه الرباعية هي " الدعوة للإجتماع " وفي هذه المرحلة ليس مطلوباً من ( الزبون ) القيام بأي نشاط كان ، بل ما عليه سوى تلبية الدعوة للإجتماع الذي تعقده الجماعة ، ومعايشة الجو العام الذي يحتضنها ، والإستمتاع بالبرنامج المعد سلفاً ، والذي يحمل في طياته رسائل مستترة يتم ضخها في شكل زخات متتالية بشكل مركز للعقل الباطن لذلك الضيف القادم(  لأول مرة ) والذي يلقى حفاوة فائقة الجودة .           

في أثناء ذلك يتسنى للضيف " الإستماع " للأفكار والرؤى ، والأهداف العامة والتفصيلية ، والمسئوليات والواجبات المناطة لأعضاء الجماعة ، وكذلك المميزات التي يحصلون عليها ، إضافة لبعض القيم العامة التي تحكم العلاقات البينية رأسياً وأُفقياً . ومن الطبيعي أن تتزامن الخطوة الأولى والثانية مع بعضهما في أغلب الأحيان ، وقد تتكرر الدعوة للإجتماع والإستماع لمرات عديدة حتى يبادر " الضيف المستجد " بطرح الأسئلة والإستفسارات ، فيتم التأكد من تشبعه بالأفكار العامة للجماعة ، وولادة الرغبة لديه لمعرفة المزيد عنها والإنضمام إليها .

مع تكرار عملية الإجتماع والإستماع تتولد بوادر " الإقتناع " دون ممارسة أي ضغط من قبل رؤوس الجماعة عليه ، بل يتم ترك الخيار له بعد تقييم مستوى الفراغ النفسي الذي يعيشه ، ودرجة تماسكه الأسري ، ومحيطه الإجتماعي ، ومهاراته الشخصية ، حتى يتسنى لهم التأثير عليه ( وسحبه ) إلى حيث يريدون .     

بعد التأكد من إتمام مرحلة الإقتناع ، تأتي المرحلة الحاسمة والآخيرة والتي تتوِّج كل المجهود الذي تم بذله من أجل إستقطاب الزبون وهي " الإتباع " حيث يتم تكليفه بالمهام التي تخدم أهداف الجماعة بشكل تدريجي حتى يتم التأكد من أنه أصبح مؤهل لأن يُمنح العضوية الكاملة التي تتيح له فرص الترقي على سلم الجماعة ، ويا سلام سلِّم .

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 6
1
ana
[ أم الحمام - القطيف ]: 8 / 10 / 2009م - 2:46 ص
اخي الغالي/اباعلي-لقداستمتعت بقراءة مقالك الرائع ليس لقصره في المساحة وانمالعمق معانيه كانك تشخص المرض وتصف العلاج مباشرة0 وهذه الطريقة التي نريدها لتوقظ النائمين والسادجين والمغفلين سمهم ماشئت 0 سلمت اناملك الذهبية -مع تحيات (ana )
2
ابراهيم بن علي الشيخ
8 / 10 / 2009م - 7:18 ص
أخي العزيز : Ana
أشكرك على مداخلتك الطيبة ، وإن كان ما طرحته موفقاً فهذا من فضل الله ثم من حُسن ظنك الذي تعودته منك . والمقال الذي كان ( توصيفياً ) بالكامل آمل أن يكون قد أزاح الوشاح عن هذه السياسة فيبصرها الأتباع 6/6 وتقبل تحياتي .
3
المستقل
[ ام الحمام - القطيف ]: 8 / 10 / 2009م - 7:48 م
الأستاذ الغالي ابو علي أجزت و اجدت فخير الكلام ما قل و دل .أشرت يا استاذي الى اربع مراحل مهمه و هم الاجتماع و الاستماع و الاقتناع و الاتباع و هم مراحل خطيره تبلور فكر الانسان و انا اعتقد انها تحول الانسان من الحريه الى العبوديه بحيث تصاغ له افكار مبرمجه مسبقا تشغل الفراغ الفكري لديه و يدار بطريقه لا اراديه . أ نا ارى ان اخطر مرحله من المراحل الاربع هي الاستماع لانها تحتاج الى أمانه و ذقه في نقل المعلومات و للاسف عاذة يدس السم في العسل في هذه المرحله و هذا ما رأيناه في بعض التنظيمات الاسلاميه التي استقطبت الكثير من الشباب بمصطلحات رنانه و بأكاذيب تخالف حتى الاحكام الشرعيه تسوق بطريقه ناعمه تذغذغ مشاعر الاحداث .
انا اتمنى ان تكون الأسره تمتلك وعي حتى لا يسطوا الاخرون على عقول فلدات اكبادهم و يكونوا بمستوى التحدي و يعوا لما يحاك بالخارج لاستقطاب ابنائهم و اشباع الفراغ الفكري الذي لم يستطيعوا اشباعه فحذاري حذاري من تجاهل الاسرة لابنائها بقصد او بغير قصد . تحياتي لفكرك ايها الاستاذ العزيز الذي لا يستطيع أي كان ان يحتويه و يمارس الضغوط عليه لانه لا يوجد لديك منطقة فراغ في فكرك حتى يملئها الاخرون فأنت تلبي للجميع اجتماعاتهم و تستمع للكل على حد سواء و تقتنع بما تراه يستحق الاقتناع به و لكتك تبقى جبلا راسخا لا تتبع الاخرين .
4
احمد العزيز
[ السعودية - القطيف ]: 9 / 10 / 2009م - 8:04 ص
تحية طيبة أستاذ ابراهيم على هذا العمق في الطرح والتحديد بل ووضع المبضع على مكمن الداء , وفي الحقيقة ان الرباعية التي حددها جنابكم تصف حال الوضع السياسي والديني والثقافي المتردي في اصقاع عالمنا خصوصا العربي , مع اختلاف التوجهات والاشكال ولكن يغلب عليها مضمون واحد
الاستقطاب ثم الاستقطاب وكل ينادي أنا أمة كما قال جبران خليل جبران , كما ان السيطرة البغيضة التي تتسم بها القيادات تجعل التحول نحو التعددية واحترام الآخر المختلف شيء عصيب ولانقول مستحيل .
كانت الرباعية المعنية تتهم بتحريك الجماهير في الخمسينات والستينات وهل اليوم يختلف عن الأمس ؟
5
ابراهيم بن علي الشيخ
9 / 10 / 2009م - 9:27 ص
أخي الحبيب اللبيب : المستقل
أتفق معك في رؤيتك بأن ( الإستماع ) يعتبر المرحلة الأخطر والأهم في الرباعية ، كما أشاطرك الرأي بأهمية دور الأسرة في توعية أفرادها وتعزيز مهارة الإنتقاء لديهم حتى لا يتم إختراقهم من قبل الجماعات الإستقطابية ( الشريرة ) كما أشكرك على مشاعرك الطيبة ، وأُثمن لك تواصلك الجميل الذي يجعل لما أكتب نكهة لم تكن في الحسبان .
6
ابراهيم بن علي الشيخ
9 / 10 / 2009م - 9:50 ص
الأخ العزيز : أحمد العزيز أعزه الله
سياسة الإستقطاب ليست سيئة في مجملها ، المهم ما هي الغايات ؟ وكما تفضلتم بذكره السياسة هي نفسها منذ زمن ، إلاَّ أن ما يشوه مظهرها هو ( إحكام السيطرة ) على الأتباع ، وإجبارهم على السير في طريق ذو إتجاه واحد . وممارسة الإسلوب الفرعوني في إدارتهم وتوجيههم . نعم أيها ( العزيز ) إستحضرت الماضي فكان الحاضر نسخة منه بإمتياز بمقاربتك التأريخية . تحياتي لك ولمن تُحب .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية