الكيلُ؟.. فاضَ الكيلُ، يا ربَّ السَّما،

الكيلُ؟.. فاضَ الكيلُ، يا ربَّ السَّما،

ربَّ الحُشُودِ، وربَّ ساقيةِ الدِّما!

هجمتْ علينا الضَّارياتُ، كأنَّها

فزَعُ القُرُونِ مُفخَّخاً ومُلغَّما،

لُسِعَتْ.. فهاجَ الجنُّ من أحشائها،

وسَعَتْ.. فدشَّنت الجنائزَ موسِما،

الجائعاتُ، فإنْ ولَغْنَ، فمن دمٍ،

ويَرَيْن في عطشِ الأظافِرِ زمزما!

عجباً لرُزْناماتنا انكسَرَتْ بِنا،

أودتْ بشَعبانٍ فعادَ محرَّما!

2/

.. جروٌ مُغفَّلٌ ارتدى زنّارَهُ،

وأتى يجرِّرُ جهلَهُ وتلثّما،

خُلِقَ الجبانُ ملثَّماً فإذَا صَحا

هذا النهارُ.. رأيتَ وغداً أرقَما!

هذا الذّؤيبُ.. وراءَهُ من أذؤُبٍ

أيدٍ مُنافقةٌ تريِّشُ أسهُما!

ويحرّضُونَ فإنْ تفشَّى سُمُّهُمْ،

أضحى محرّضُهُمْ أصمَّ وأبكما!

هو زارَ جنَّتَنا، وما ذاق الجنى،

وأضَاعَ جنّتَهُ، وشالَ جَهَنَّما!


3/

قال ابنُ ملجمَ: " كان حيدرُ واضِحاً

جدَّاً.. وكنتُ مُطَلْسماً ومسمَّما!

الحُبّ يُرعبني، وما صافحتُهُ،

حتى رماني الخوفُ فيمنْ قد رَمى! "

يا قاتلي.. قد كان ينقُصُكَ النَّدى

لتكونَ آدمَ، لا سَمُوماً علقَما!

لكنَّك استبدلْت انسانيَّةً

بجهنَّمٍ.. وبقفرِ قلبِكَ.. بُرعُما!

نحنُ الحياةُ وشَهْدُها وشَهيدُها،

وبرغمِ أنفِكَ، صار أنفُكَ مُرغَما...

4/

دمُنا الذي ردَّ الجُنونَ لنحرِهِ،

دمُنا الذي للمستحيلات انتَمى..

دمُنا الذي كانَ القُديحَ، فلم يهِنْ،

دَمُنا العَنُودُ على البواغي دَمْدَما،

دمُنا الذي لمَّا تناثرَ وردُهُ،

قامتْ زغاريدٌ توشِّحُ مأتَما!

5/

هي جمرةٌ حرَّى تلوكُ قُلُوبَنا،

ما أمَكَرَ الوجعَ الرّهيفَ وأَلْأَما!

يا حُزنُ، خبِّرْني، ومثلُكَ عارِفٌ،

ولقدْ رضيتُكَ حاكِماً ومُحكَّما!

ماذا تُريدُ؟!، أكُلَّما قُلنا انتهى

وجعُ العقيقِ، فتحتَ فينا منجَما؟!

الحُزنُ حين يضيقُ يُصبحُ.. مَغْرَماً،

والحُزنُ يُصبحُ حين يعمُقُ.. مغنَما!

ألبسْتُهُ الثّوبَ الأنيقَ، رشَشْتُهُ

بالعطرِ، صارَ مهذّباً ومُهَندما!

وأمرتُهُ أنْ لا يكونَ فريسةً

لمُلوِّثيه، مُعزَّزاً ومُكرَّما،

وطلبتُ منهُ أن يمرَّ نسائماً

بين البيُوتِ، وفي المحاجرِ بَلسَما...

6/

سَطرَ القُبُورِ القابضَاتِ قُلُوبَنا،

كالآهِ ما شقَّ الكلامُ لَها فَما!

لا، ليس يأساً ما أُكابدُ، إنَّما

وجعٌ على بُستانِ قلبي خيَّما!

لا أعرفُ الشُّهداءَ، لكنْ صُورةٌ

تكفي لأصرُخ: آآآه يا حامي الحمى!

تركوا على طَرَفِ الصّدى ضحكاتهمْ،

ومضَوا إلى صُوَرٍ مُقطَّرةٍ دما..

ذهبُوا إلى الفوزِ العظيمِ، يشدُّهُمْ

ولَهٌ.. يردُّ الفوزَ فوزاً أعظَما!

ذهبوا إليه، حُسينُهُمْ يحدو بهِمْ،

نحو الحدائقِ... عَنْ مجاورةِ الظّما!

طُوبى لقدّيسين، ما بين السّما

والأرضِ، واغترفُوا الحقيقةَ منهُما!

7/

هلا رأيتَ سحابةَ الإثنين؟، أم

هلا شهدتَ الأربعاءَ وقدْ هَمَى؟!

حَشْرٌ، بما يُرضِي النّخيلَ، كأنَّما

نهَضَ المكانُ بأهلِه.. فتقدَّما!

يا نُوحُ.. طيِّرْها الحمامةَ، إنْ تجِدْ

يَبَسَاً من الطوفانِ، أو رجَعَتْ كَما..

خرجوا كأنَّهُمُ الوشَاحُ يُحاكُ من

إبرِ القلوبِ.. مُطرَّزاً ومُنَمنما!

أو قُل كأنَّهُم النّخيلُ وقدْ مشى

بالعُنفُوانِ مُشيِّعاً ومُيمِّما..

الآنَ أدرِكُ ما القيامةُ؟، أن ترى

شَعْباً بما قَضَت الفجيعةُ مُلهَمَا!

8/

يا شِعرُ، كيفَكَ يا صديقي، إنَّني

أحتاجُ بِرَّكَ يا غريبُ لأَسلَما،

سَدَّدْتُ دَين الأرضِ، أفتلُ خيطَها،

وقَضى الغرامُ لنا القضاءَ المُبرما،

واخترتُ من كُتُبِ الزراعةِ نخلةً،

واخترتُ من درسِ الأنوثةِ مريما!

أنا كلَّما ضَاقَتْ جهاتيَ، جئتُها،

وهززْتُها كِبْراً يُساقِطُ أنجُما!

قُل للذي كادَ المكيدةَ، هل ترى..

البُستانَ؟، علّمنا الذي لَن تعلَما..

9/

شَعبَ النّخيلِ الباسقاتِ، سلامةً،

أنجِزْ بباسِقِكَ السّبيلَ الأقوَما،

الرّعبُ.. في تصديقِكَ الرّعبَ الذي

يستهلكُونَك فيه حتّى تُهزَما،

سيكونُ بومٌ في الخرابِ، فلا تكنْ

إلا ببوصلةِ النَّدَى مُستعصِما،

واحلُمْ بكلِّ قُواكَ، إنَّ جريمةً

كُبرى.. إذا قرّرْتَ أن ْ لا تحلُما!