لماذا نفشل في تنفيذ الاستراتيجيات؟

تسعى المنظمات والهيئات والشركات الرائدة التي تنشذ التطوير والتجديد الى إدخال الأطر الإستراتيجية في مجريات أعمالها بهدف تركيز وتوضيح الرؤية باتجاه تحقيق أهدافها المنظورة القصيرة والبعيدة الأمد، وتسليط الضوء على القضايا ذات الأولوية، كما تقوم بصياغة برامج وخطط ومبادرات منسجمة مع هذه الرؤى بهدف زيادة الفعالية والكفاءة وتقديم خدمات أفضل لمستفيديها.

لكن المشكلة التي تواجه معظم هذه المنظمات ليس في صياغة الاستراتيجيات بل في تنفيذها! فهل من فائدة تجنى من استراتيجيات مصفوفة في الكتب والنشرات، وشعارات ولوحات معلقة داخل أروقة المنظمة إن لم تأخذ طريقها الى التنفيذ؟ فيا ترى ماأسباب عدم تنفيذ تلك الاستراتيجيات، وماهي العوائق التي تحول دون ذلك؟ وكيف يمكن التغلب عليها للنهوض بالمنظمة نحو تحقيق تطلعاتها ورؤاها على أرض الواقع؟

غني عن القول أن لقائد المنظمة دور رئيس في توجيه أعمالها عبر تسخير الطاقات والإمكانيات وإعداد الخطط والاستراتيجيات كما أن له دور رئيسي أيضآ من خلال قدرته نحو توجيه تنفيذ تلك الخطط والاستراتيجيات..

ببساطة، عندما يزمع القائد أن ينفذ أمرآ أو خطة أو مشروعآ فان أمامه خطوتان، الخطوة الأولى وهي ملك اختياره وفي حدود صلاحيته اداريآ وماليآ وقد تشمل التزامات مالية او إعادة هيكلة وتغييرات إدارية وتنظيمية وهذه الخطوة تتطلب فقط إمضاء القلم... ولكن الخطوة الثانية المهمة وهي توجيه التنفيذ لا تحتاج الى إمضاء القلم، إنما تحتاج الى عقول وأيد وروح جماعية من العاملين تمضي في تنفيذها. ان عملية توجيه أو تغيير السلوك البشري نحو التنفيذ تختلف عن أوامر شخطة القلم هذه، لأنه ليس بمجرد أمر القائد ستتحرك الأيدي والأنفس المتعودة على أسلوب ونمط معين لسنين طويلة لكي تسلك منهجآ وأسلوبا أخر مغاير غير مسبوق!

في بحث أجرته شركة «Brian&Company» اتضح منه أن ٦٥٪ من المبادرات والاستراتيجيات تحتاج الى تغيير سلوكي بشري لتنفيذها وخصوصا في العاملين أسفل الهيكل الوظيفي، وأن المدراء والقادة فشلوا في التعرف على ذلك مسبقا.. ومن خلال التجربة والتعاطي مع الكثير من البيئات الإدارية، من النادر أن تسمع من مدير ما قولا بأنه كان يرغب أن يكون أفضل في توجيه العاملين معه بطريقة سلوكية مختلفة... بينما طالما نسمع من بعض المدراء أن سبب اخفاق إدارته هو س او ص من الناس وأنهم المشكلة... إن جوهر المشكلة الحقيقية ليست في فلان او غيره.. بل هي في عدم وجود القدرة او الإرادة نحو تغيير سلوكهم.. أي أن المشكلة في البيئة الإدارية والتي فشل القائد من خلالها اكتشاف علة عدم التنفيذ.

والخلاصة إن تنفيذ الاستراتيجيات يحتاج الى تغيير جذري في السلوك البشري للعاملين وأن القائد يحتاج الى أن يلهم روح التغيير ليحصل على عقول وقلوب العاملين معه.. وهذا أمر ليس من السهولة بمكان..

ما الذي يسبب هذا السلوك البشري المغاير للتغيير؟ وكيف نوجهه بحيث يكون فاعلا مشاركآ في تنفيذ التغيير؟

أحد أهم هذه الأسباب، هو عدم وضوح الهدف من التغيير أو الإستراتيجية الجديدة للعامل المنفذ، إذ لم يكن مشاركآ في عملية صياغة الإستراتيجية ولم يؤخذ رأيه فيها، ولذا فهو لايفهم لماذا يطلب منه التنفيذ خلافآ لما تعود عليه، ولم يحصل له إقناع أو اقتناع..، وفي دراسة اطلعت عليها، تبين أن ١٥٪ فقط من العاملين تعرفوا على أهم ثلاثة أهداف رئيسية في المنظمة بينما ٨٥٪ منهم لم يكونوا محددين للأهداف بدقتها، ويزيد غموض معرفة الأهداف عندما تبتعد عن قمة الهرم الإداري الى الأسفل.. ويكمن السبب الثاني في عدم الالتزام بتنفيذ الهدف «commitment» وتقول نفس الدراسة ان نسبة هؤلاء هي ٥١٪ من العاملين مما يترك فقط اقل من نصف طاقة العاملين تسعى للتنفيذ مما يضعف من جودة التنفيذ، ويكمن الهدف الثالث في عدم المسائلة او المتابعة في التنفيذ من قبل المدراء «Accountability» ويبلغ نسبة من قالوا بذلك ٨١٪ منهم. ٠

٠وفي خلاصة الأمر أن سوء التنفيذ وضعفه ناجمان من عدم معرفة العاملين وخصوصآ أسفل الهرم الإداري بماهية الإستراتيجية، وغياب روح الالتزام بالتنفيذ، وعدم وجود المسائلة والمتابعة عن التنفيذ... وقد تظهر أسباب اخرى كغياب الثقة بين العاملين ومدراؤهم، وسوء التعويضات المالية والمعنوية، وعدم تطبيق مبادئ الجدارة والكفاءة وعدم وجود بيئة العمل المناسبة..

وهناك سبب جوهري وأخير يعتبر في نظري من المعوقات الرئيسية لتنفيذ الاستراتيجيات، ويخبره العديد من العاملين والقادة في المنظمات التنموية والاجتماعية وغيرها، وهو الانشغال بالأعمال اليومية التشغيلية التقليدية التي لاتهدأ ولا تقف فتلك من صميم عمل المنظمة ويؤثر على مستفيديها مما يجعل من الصعوبة بمكان عمل شي مختلف جديد.. ونحن هنا لا ندعو إلى التوقف عنها فهذا يهدد عمل المنظمة ويعطل مستفيديها، ولكن ما ندعو إليه هو أن يتعرف العاملين على حقيقة أنه بمقدار أن الأمور اليومية التشغيلية مهمة لعمل المنظمة وقد يؤدي إيقافها إلى تعطل مستفيديها اليوم، فان تنفيذ الخطط والاستراتيجيات هو أمر لايقل أهمية، وأن عدم المبادرة في التنفيذ سيوقف عمل المنظمة في المستقبل المنظور أو أن يؤخرها خطوات عن مواكبة المنظمات المتطورة التي تنشذ الريادة والتميز.

وبالخلاصة، إذا أردنا أن نتغلب على مشكلة عدم تنفيذ الاستراتيجيات، علينا بأن نبادر في اجراء مناهج وأساليب التغيير السلوكي البشري للعاملين المنفذين كإشراكهم في عمليات التخطيط، وإقامة برامج وورش عمل وندوات لتعريفهم بها، وربما عن طريق، استحداث إدارة مختصة للتغيير، فمتى ما تعرفوا على أهدافها ومراميها، زادت ثقتهم بها وأصبحت جزءآ منهم وعملوا على تنفيذها، والتزموا بذلك. كما على الجهات الإدارية إعداد نظام متابعة ومحاسبة للعاملين على تنفيذ تلك الخطط، كما أن عليها ترسيخ أسلوب المواءمة بين العمل التشغيلي اليومي وبين العمل الاستراتيجي الذي يؤتي ثماره على المدى الطويل بما يحقق الأهداف والتطلعات

والله من وراء القصد

الرئيس الفخري لجمعية القطيف الخيرية