زيارة عاشوراء رحمانية لا عدائية

نحن في بداية موسم عاشوراء الحسين وذكرى هذه المصيبة التي اهتزت لها أركان السماوات والأرض واقشعرت لها أظلّة العرش، نجد بعض الأصوات النشاز التي تبدأ بالظهور في مثل هذا الوقت تشن حملة شرسة على ما يتعلّق بهذه المصيبة العظيمة!

ومن أهم الأمور التي يثيرها البعض هو أنّ مثل هذا الموسم وهذه الممارسات تغرس في الإنسان ثقافة الكراهة وتربّي المؤمن على العداء وتعلّمه إقصاء غيره!

ومن أهمّ الأمور التي يستند عليها أصحاب هذه الدعوى هو ما ورد في زيارة عاشوراء من لعن لأعداء أهل البيت :

فقد ورد في الزيارة: «فَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسَّسَتْ اَساسَ الظُّلْمِ وَالْجَوْرِ عَلَيْكُمْ اَهْلَ الْبَيْتِ، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقامِكُمْ وَاَزالَتْكُمْ عَنْ مَراتِبِكُمُ الَّتي رَتَّبَكُمُ اللهُ فيها، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً قَتَلَتْكُمْ وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدينَ لَهُمْ بِالَّتمْكينِ مِنْ قِتالِكُمْ، بَرِئْتُ اِلَى اللهِ وَاِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ اَشْياعِهِمْ وَاَتْباعِهِمْ وَاَوْلِيائِهِم، يا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ اِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِياد وَآلَ مَرْوانَ، وَلَعَنَ اللهُ بَني اُمَيَّةَ قاطِبَةً، وَلَعَنَ اللهُ ابْنَ مَرْجانَةَ، وَلَعَنَ اللهُ عُمَرَ بْنَ سَعْد، وَلَعَنَ اللهُ شِمْراً، وَلَعَنَ اللهُ اُمَّةً اَسْرَجَتْ وَاَلْجَمَتْ وَتَنَقَّبَتْ لِقِتالِكَ»..

وورد فيها: «اَللّـهُمَّ الْعَنْ اَبا سُفْيانَ وَمُعاوِيَةَ وَيَزيدَ ابْنَ مُعاوِيَةَ عَلَيْهِمْ مِنْكَ اللَّعْنَةُ اَبَدَ الاْبِدينَ، وَهذا يَوْمٌ فَرِحَتْ بِهِ آلُ زِياد وَآلُ مَرْوانَ بِقَتْلِهِمُ الْحُسَيْنَ صَلَواتُ اللهِ عَلَيْهِ، اَللّـهُمَّ فَضاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَ مِنْكَ وَالْعَذابَ «الاْليمَ» اَللّـهُمَّ اِنّي اَتَقَرَّبُ اِلَيْكَ فِي هذَا الْيَوْمِ وَفِي مَوْقِفي هذا وَاَيّامِ حَياتي بِالْبَراءَةِ مِنْهُمْ وَاللَّعْنَةِ عَلَيْهِمْ»

أو كما في ورد أيضًا «اَللّـهُمَّ الْعَنِ الْعِصابَةَ الَّتي جاهَدَتِ الْحُسَيْنَ وَشايَعَتْ وَبايَعَتْ وَتابَعَتْ عَلى قَتْلِهِ، اَللّـهُمَّ الْعَنْهُمْ جَميعاً»

لابدّ أن يعلم أصحاب هذا الإشكال أنّ اللعن الوارد في هذه الزيارة وفي غيرها من الروايات هو ما يعبّر عنه في هذه الأيام بالشجب والتنديد، فكما نرى أنّ أغلب دول العالم على اختلاف أجناسها وأديانها وأنظمتها تسارع للتنديد بكل فعل تراه بحسب موازينها إجراميا وتدين الفاعل وتعلن براءتها من الفعل، فإنّ اللعن الكثير الموجود في الزيارة هو من هذا الباب..

بل نجد أنّ عدم الشجب والتنديد بأي عمل إجرامي من دولة من الدول يعتبر رضا عن هذا العمل وإقرارًا له فلذلك نجد أن الأنظمة العالمية تعتبر أنّ مجرّد التشكيك في حصول الهولوكوست محرقة اليهود هو معاداة للسامية يعاقب عليها بالسجن سنين طويلة!

وهكذا الأمر بالنسبة للعن الكثير بالنسبة للزيارة فهو إعلان براءة من كل من صنع هذه الجريمة العظيمة وكل من رضي بذلك وأقرّ الفاعلين، والسكوت عن لعن مثل هؤلاء هو بمثابة الرضا بفعلهم!

من هنا تعبّدنا الأئمة بقراءة هذه الزيارة في كلّ عاشوراء بل دأب العلماء على قراءتها في كلّ يوم من باب تربية المؤمن على مبادىء الحسين وأصحاب الحسين المتمثلة في التضحية والإباء والبراءة من مبادىء الطرف الآخر المتمثلة في الغدر والخذلان واستضعاف الناس..

فالنتيجة إذن أن هذه الزيارة المقدسة هي دستور وعامل إيديولوجي يرفض الظلم والإرهاب ويحارب الإرهاب وكل من والاه فعبارات اللعن فيها هي رحمة للإنسانية للبراءة ممن يمثلون الإرهاب ومن كل من يواليهم سيرةً وفكرًا.

أسأل الله أن يجعلنا من المتمسكين بخط الحسين وأصحابه وولايتهم والبراءة من أعدائهم.