الأفكار قد تقتل أحيانا

نشأت الحركات الإسلامية المتطرفة في القرن الماضي المنصرم، وتسببت في كوارث اجتماعية وسياسية باهظة الثمن، فالفكر التي تقوم عليه هذه الحركات هو فكر أحادي لا يقبل التعددية بكافة أشكالها، وينطلق من رؤيته أن التغيير السياسي والاجتماعي يتم بواسطة العنف، ولهذا شهدت عدة دول أزمات متعددة كالجزائر، أفغانستان، وباكستان، والسعودية، والعراق وسوريا.

الباحثون المتخصصون في الحركات الإسلامية حينما يبحثون في تاريخ هذه الحركات ونتائجها غالبا ما يتناولون أدبياتهم ويجعلونها تحت مجهر القراءة والنقد.

الحركات الإسلامية المتطرفة في الجزائر.

في الثمانينات من القرن الماضي طرحت بعض الحركات الإسلامية فكرة الدولة الإسلامية بصورتها التاريخية القديمة متجاهلين الفارق الزمني ومتغيراته، فكانت أبزر الشعارات في ذلك الوقت «لا ميثاق، لا دستور.. قال الله، قال الرسول» بمثل هكذا شعار قطعوا الطريق على باقي المكونات الجزائرية كالحركة اليسارية والشيوعيين مما خلق أزمة سياسية من أجل معالجة الإستبداد السياسي وممارسة التداول السلمي للسلطة، بينما في مثل هذا الطرح يساهمون في صناعة الإستبداد من جديد بنسخة إسلامية.

أفغانستان في عهد حركة طالبان

لا يبدو أن هناك ثمة أي تغير يدفع نحو التفاؤل فبلمحة سريعة عن حركة طالبان سنجد سعي مكثف لجعل أفغانستان كدولة تعود لعصور دول الخلافة الاسلامية، إذ كانت قد منعت كل وسائل الإتصال.. والتعليم بالنسبة للمرأة يعد من المحرمات والتي تستحق العقاب في حال ممارستها التعليم وربما محاولة القتل كما فعلت طالبان مع الفتاة ملالة 14 عام والتي نجت بأعجوبة بعد إصابتها برصاص في الرأس من قبل طالبان.

المنطلقات الفكرية لطالبان التي قامت بهدم التماثيل بدعوى أنها تمثل الكفر والشرك، هي ذات المنطلقات الفكرية والأدبية التي تحتويها المناهج الدينية السعودية، منذُ تشكل الدولة وبدء مرحلة التعليم.. الشيعة وغيرهم، في الكتب الدينية الرسمية، مشركون وكفار ولا يجوز مصاحبتهم أو حتى السلام عليهم ولا تهنئتهم بالمناسبات الإسلامية مما يسبب ازمات اجتماعية تتمثل في القطيعة والتي تؤثر بدورها على صورة البلاد.

والمثير للدهشة أن بعض الكتاب في الصحافة السعودية يطالبوننا في مقالاتهم بالوطنية ويلوحون بتكرار بالولاء للوطن ويصمتون صمت القبور عن هذه الأزمة المتراكمة، فهل يستقيم التكفير والكراهية والمطالبة بالوطنية؟

داعش والقاعدة وجهان لعملة واحدة

لا تختلف أدبيات «الدواعش» عن أدبيات الحركات الإسلامية المتطرفة التي تشكلت منذ أكثر من عقد، فتجد الإقصاء، التكفير، الأحادية في الفكر والرأي، أما في قضايا المرأة فلا تتعدى رؤيتهم الذكورية، المختزلة في الجنس، حتى أصبح المقاتل فيهم يقاتل من أجل الحصول علي حوريات «يعتقدون أن الحورية تشابه النساء من حيث العملية الجنسية، فيما هناك تفاسير آخرى».

يخطئ البعض حينما يحاول اختزال صناعة الحركات الإسلامية المتطرفة في التراث الفكري الإسلامي أو ربطها فقط بالجهات الإستخباراتية الدولية، الباحث المتجرد من كل عناصر التأثير سوف يشير بكل وضوح إلى نشوء حركة محمد ابن عبد الوهاب والتي سميت بعدها بالحركة «الوهابية» نسبة له والذي يمثل المنبع الطبيعي لحركات التطرف في عالم اليوم، فتاريخه وأدبياته التي أنتجتها حركتهُ سوف تساعد القارئ الحر على اكتشاف مكمن الخلل.

ودأبت الصحافة السعودية على تصوير القاعدة وداعش وغيرها بأنهم خوارج هذا العصر أو أنهم فئة ضالة وما إلى ذلك من عناوين دون الاعتراف الكامل عن الكوارث التي ينتجها ولا يزال ينتجها فكر محمد بن عبد الوهاب لا سيما في المناهج الدينية، إضافة لجمع كبير من رجال الدين حيث عرف عن الكثير منهم مواقفهم الداعمة للقتال في سوريا والعراق بعنوان الجهاد ضد العلويين والنصيريين والشيعة.

أمام هذه المشكلة المعقدة التي مازجت بين الدين بكل تراثه الفكري ودهاليز السياسة بكل تجلياتها التي أهلكت الحرث والنسل، يبقى الحديث عن العلاج والذي لن يكون سهلا مطلقا فنحن أمام أجيال غرس في عقولها وقلوبها كراهية كل من يختلف معها وتعتبر ذلك قربانا إلى الرب، ومن جهة آخرى أمام تجاهل أصل المشكلة من قبل صناع القرار ولهذا يتحدث الشيعة في مجالسهم الخاصة والعامة عن التميز الطائفي الممنهج.