أجيبوا مآذن الحب «1»

للمكان المخصص للعبادة في كل دين من الأديان، إلهيا كان أو وضعيا، أهمية كبيرة. فدار العبادة، مهما تنوعت أسماؤها من مسجد أو كنيسة أو معبد أو غير ذلك، تحتل موقعا خاصا في نفوس أتباع الديانة التي تنتمي إليها.

ونظرا لموقعيتها تلك، فإن من يدخلها من أصحابها معتقدا بمكانتها يشعر وهو فيها بحالة روحية لا يجدها في الخارج. هذا الأمر ليس خاصا بدين من الأديان، إذ للمكان حين يأخذ عنوان دار العبادة تأثير يختلف عمقا وسعة من شخص لآخر تبعا لدرجة ارتباطه به على المستويين العقدي والعملي.

في الإسلام المسجد كان أكثر من دار عبادة، أو هو دار عبادة بالمعنى الواسع للعبادة في الإسلام، أي التي تشمل مختلف شؤون الحياة. في المسجد تقام الصلاة ويُذكر اسم الله كثيرا، وفيه يلتقي المسلم بأخيه المسلم يجمعهما الحب في الله وإجابة داعي الله لما يبعث الحياة في الأمة حقا لو أُدي تمام أدائه، ونعني بذلك إقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتدعو إلى البر والإحسان والعدل وطهارة القلب واليد واللسان.

كان المسجد دارا للعلم والمعرفة والوعي، وكان نقطة البداية لانطلاق الدعوة في أرجاء المعمورة، وكان مركزا لنقاش مختلف القضايا التي تهم المجتمع الإسلامي كله، وكان حاضنة الحب الأولى التي تتخرج من أكاديميتها الأجيال المؤمنة.

عند ملاحظة الآيات التي تتحدث عن المسجد في القرآن الكريم، نرى أنها تركز أولا على الأساس الذي تبنى عليه وهو التقوى النابعة من القلب السليم. ثم على الهدف الذي من أجله يشاد البنيان، وهو الإنسان المحب للتطهر بكل معانيه السامية، «لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى‏ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ».

ومن هنا كانت العمارة الحقيقية للمسجد مختصة بأشخاص ذوي مواصفات عالية لا يستطيعها كل أحد «إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى‏ أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ».

فالمسألة ليست في البنيان الفخم، بل فيما وراء ذلك. ولهذا نهى الله تعالى نبيه عن إقامة الصلاة في مسجد ضرار لأن أهدافه كانت على نقيض ما يريده الإسلام من هذا الكيان، مكانا للوحدة والألفة والعبادة الجماعية التي ترمز إلى الترابط وتغرس في الإنسان النظام والالتزام. «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى‏ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً».

وعند ملاحظة الواقع اليوم للمسجد في عالمنا الإسلامي، نرى أنه تقلص دوره بشكل حاد جدا، ليقتصر في الغالب على أداء الصلاة فقط، دون أدنى تفاعل بينه وبين المصلين، أو بين المصلين أنفسهم.

وأصبحت المساجد تشكو قلة المرتادين المواظبين على الصلاة فيها، برغم كونها - أي المساجد - أحب البقاع إلى الله كما ورد في الحديث الشريف عن رسول الله أنه قال: «يا جبرائيل أيّ البقاع أحبّ إلى الله عزّ وجلّ؟ قال: المساجد، وأحبّ أهلها إلى الله أوّلهم دخولاً وآخرهم خروجاً منها».

للحديث بقية..

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب