للوالدين عظيم الحب «1»

الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة في حق الوالدين تعد مفخرة من مفاخر ديننا الحنيف الذي هو دين الرحمة والمحبة والإحسان. وقد يكون من نافلة القول الحديث عن الحب الواجب للوالدين لتضافر النصوص الصريحة الآمرة بالإحسان المطلق إليهما في كل الأحوال والظروف. ولكن مع شديد الأسف، فإننا بدأنا نشهد تزايدا في حالات العقوق في مجتمعنا.

صحيح أنه لا يعد ظاهرة ولله الحمد، لكنه يبقى نذير خطر قادم، لا سمح الله، ينبغي الانتباه له والتصدي لانتشاره. فعندما يكشف الناطق الإعلامي بشرطة منطقة مكة المكرمة عن تسجيل «1000» حالة عقوق موزَّعة على كافة محافظات منطقة مكة المكرمة «بحسب جريدة الرياض 25 مايو 2014»، فإن ذلك أمر يستدعي الوقوف عنده، خصوصا ونحن في مجتمع محافظ تكرس ثقافته طاعة الوالدين وبرهما. ومن هنا قد يخرج حديثنا من سياق النافلة للحاجة الماسة للتذكير بالواجب.

لو وقفنا عند نص قرآني واحد في حق الوالدين، لكفانا ذلك النص في معرفة عظم ما يجب علينا تجاههما، ولشعرنا أننا مهما فعلنا لهما نبقى مقصرين.

والنص الذي أعنيه هو قوله تعالى في سورة الإسراء: وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا «23» وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا «24».

عندما يقرن الله سبحانه وتعالى القضاء بعبادته وحده دون سواه بالإحسان إلى الوالدين، ففي ذلك توكيد عظيم على شأن هذا الأمر ومكانته في التشريع الإسلامي، حيث جاء مقرونا بالتوحيد. وإذا تأملنا في تفاصيل التوجيهات الأخلاقية المبثوثة في الآيتين الكريمتين، نعلم المستوى الرفيع من التعامل المطلوب منا أن نسمو إليه، وهذا ما أكدت عليه الأحاديث الشريفة أيضا التي نذكر بعضها:

عن رسول الله لما سئل عن حق الوالدين على ولدهما، قال: هما جنتك ونارك.

وعن الإمام الباقر : ثلاث لم يجعل الله عز وجل لأحد فيهن رخصة: أداء الأمانة إلى البر والفاجر، والوفاء بالعهد للبر والفاجر، وبر الوالدين برين كانا أو فاجرين.

وعن الإمام الصادق : بر الوالدين واجب، فإن كانا مشركين فلا تطعهما ولا غيرهما في المعصية، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وعنه في قوله تعالى: «إما يبلغن عندك الكبر...»: إن أضجراك فلا تقل لهما: أف، ولا تنهرهما إن ضرباك. وعنه: أدنى العقوق: « أف »، ولو علم الله عز وجل شيئا أهون منه لنهى عنه. وعنه في قوله تعالى: «واخفض لهما جناح الذل من الرحمة»: لا تملأ عينيك من النظر إليهما إلا برحمة ورقة، ولا ترفع صوتك فوق أصواتهما، ولا يدك فوق أيديهما، ولا تقدم قدامهما.

ربما يعرف الكثير منا هذه النصوص ولو إجمالا، ولكننا جميعا نحتاج إلى التذكير بها «فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ».

للحديث بقية في الجمعة القادمة بإذن الله.

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا.

شاعر وأديب