المتيمون بحب القرآن «2»

التأهل لعضوية المتيمين بحب القرآن يحتاج إلى المعرفة بكيفية تلاوته حق تلاوته. وهي التلاوة التي فصل مفرداتها الإمام الصادق كما ورد عنه في قوله تعالى «الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ»؛ ‏ قَالَ: يُرَتِّلُونَ آيَاتِهِ‏، وَيَتَفَهَّمُونَ‏ مَعَانِيَهُ‏، وَيَعْمَلُونَ بِأَحْكَامِهِ، وَيَرْجُونَ وَعْدَهُ، وَيَخْشَوْنَ عَذَابَهُ، وَيَتَمَثَّلُونَ قِصَصَهُ، وَيَعْتَبِرُونَ أَمْثَالَهُ، وَيَأْتُونَ أَوَامِرَهُ، وَيَجْتَنِبُونَ نَوَاهِيَهُ. مَا هُوَ وَاللَّهِ بِحِفْظِ آيَاتِهِ، وَسَرْدِ حُرُوفِهِ، وَتِلَاوَةِ سُوَرِهِ، وَدَرْسِ أَعْشَارِهِ وَأَخْمَاسِهِ. حَفِظُوا حُرُوفَهُ وَأَضَاعُوا حُدُودَهُ. وَإِنَّمَا هُوَ تَدَبُّرُ آيَاتِهِ. يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ‏ كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ‏.

هذه المفردات تلخص الطريقة العملية للتلاوة الصحيحة التي تحاول سبر أغوار الكتاب العزيز واستخراج ما يمكنها من كنوزه التي لا تنفد، والتفاعل مع وعده وعيده، والاعتبار بقصصه ذات الدلالات العميقة، والتي هي مختارات الرب الحكيم من تراث التاريخ الطويل، وتأمل الأمثال المضروبة لإعمال الفكر والعقل، وتطبيقه في الواقع الخارجي. وتلك هي الخطوات التي تجعل التالي يهيم عشقا بالمتلو، حتى يقول: «لَوْ مَاتَ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَمَا اسْتَوْحَشْتُ‏ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْقُرْآنُ مَعِي» كما نقل الزهري عن الإمام علي بن الحسين ، الذي كان من أحوال تفاعله مع الآيات أنه «إذا قرأ «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ‏» ي?ررها حتى كاد أن يموت».

لسنا بحاجة لكثير من التأمل حتى نكتشف البون الشاسع الذي يفصل واقعنا الراهن في عالمنا الإسلامي عموما عن التلاوة الحقة. فالقرآن الذي كان أول غيثه «اقرأ» لا يزال أتباعه في أسفل درجات القراءة بين شعوب العالم، فكأنهم فهموا من الأمر النهي. والقرآن الذي يتحدث عن الأمة الواحدة والشورى والأخوة الإيمانية والحرية والاعتصام بحبل الله وعدم التفرق والتنازع، تعيش الأمة المنتسبة إليه أسوأ حالات التشرذم والانشقاق والتفكك وانقسام المقسَّم، والاستبداد، والعداوات المستحكمة، والقمع بكل أشكاله، حتى كأن هذه أصبحت متلازمة مرضية لا تطيق فراقنا أبدا، لأنها لا تجد حاضنة أخرى تحتفي بها كما عندنا. لقد بلغ الولع بالتخلف درجة خطيرة، حين تم التأصيل له بتحريف معاني الكتاب المجيد، فلا بأس بالصبر على الواقع البائس، لأنك مأجور في ذلك، ولا داعي للسعي للتغيير لأن القدر مكتوب، وسيجري عليك شئت أم أبيت.

لسنا بحاجة لكثير من التأمل لنكتشف أين نحن من القرآن، إذ يكفي أن نقرأ قوله تعالى «وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» ثم نرجع إلى أنفسنا فنسألها: أين مكانتنا اليوم؟ هل نحن الأعلون؟

الجواب مبثوث في طيات الواقع، فلا نزيد عليه سوى قول الشاعر:

وما للمرء خير في حياةٍ.. إذا ما عُدَّ من سقَطِ المتاعِ

دمتم بحب.. جمعة مباركة.. أحبكم جميعا..

شاعر وأديب