المسلسلات الرمضانية تستخف بعقول شبابنا

 

 


في كل سنة في أيام شهر رمضان المبارك ولياليه الطيبة، تطل علينا بعض القنوات الفضائية العربية بمسلسلاتها الرمضانية بكم هائل ، وتشغل عقول شبابنا وأولادنا طيلة شهر الصيام عن عبادة الله والتقرب إليه بالدعاء والصلاة وقراءة القرآن الكريم والأعمال الصالحة  .

 إن المسلسلات الرمضانية امتلكت الإمكانيات الكبرى في المال والقدرات والإعلام والتأثير ، وقد استمرت مدة طويلة من الزمن ،  مما جعلها تسيطر على بعض الشرائح الاجتماعية ، وتقوم بدور التوجيه الثقافي والاجتماعي  ، وتدعو إلى عادات وأعراف اجتماعية معينة ، وتتحكم في عقليات شبابنا وفتياتنا .

لكن مع الأسف لم تقدم هذه المسلسلات  شيئــًا مفيد ًا لأجيالنا الشابة  في مجالات حياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو التربوية ، بل لم تساهم بشكل إيجابي في رفع مستواهم العلمي والثقافي والحضاري .

ومن هذا المنطلق يجب أن نقف قليلا ً بتأمل وإعادة تفكير لكي نحفظ الجيل الناشئ من الضياع ، ونقوم بعملية تقييم موضوعية لهذه الظاهرة التي طال أمدها  أكثر مما ينبغي ، ونسأل أنفسنا

 ما هي القيم التي بثتها المسلسلات الرمضانية في أوساط الشباب والفتيات   ؟  ، ماذا أنجزتْ المسلسلات الرمضانية  على مدى السنوات الطويلة الماضية  للشباب ، وما حجم هذا الانجاز ؟  هل المسلسلات الرمضانية تحترم عقول شبابنا أم تستخف بهم ؟  ما هو البديل عن المسلسلات الرمضانية ؟

لو نظرنا بنظرة دقيقة إلى القيم والمبادئ التي بــُثت  في نفوس وأذهان شبابنا بواسطة المسلسلات الرمضانية  على مدى العقدين الماضيين ، لوجدنا الكثير من القيم الخطيرة والخاطئة  قد سادت في أوساط أجيالنا الشابة !! منها :

1-    تقديس القيم المادية .

عندما ندرس حياة  بعض الشباب في المجتمعات  المعاصرة  ، وننظر إلى أهدافهم واهتماماتهم  وقضاياهم  ، نجد تقديس الحياة المادية على جميع الأصعدة ، وقلة الاهتمام  بالقيم الروحية ، مما أدى إلى انتشار الجريمة والعنف والإدمان  والأمراض النفسية  بشكل مخيف في تجمعات الشباب ، وازدياد نسبة الانتحار ، والإقبال  الكبير على الرذائل والمحرمات  .

لقد ساهمت المسلسلات الرمضانية بشكل سلبي في إضعاف القيم الدينية في نفوس الشباب  عبر تزيين الحياة المادية، وجعلها أساس السعادة في الدنيا ، وإلهاء الجيل الجديد في أيام الشهر الفضيل ببرامج غير ملتزمة دينيــًا .

لعل القارئ العزيز يقول إن هذا الكلام مبالغ فيه ، لأن المسلسلات الرمضانية لا تدعو إلى تقديس القيم المادية وآثارها السلبية الخطيرة التي ذكرتها  ، إنما الأفلام الماجنة ، والمسلسلات الغير أخلاقية ، والواقع المعقد من مشاكل اقتصادية واجتماعية وتربوية وهموم حياتية أخرى ،هي السبب في ضياع الشباب وإقبالهم على الماديات ، والمسلسلات الرمضانية إنما هي وسيلة من وسائل الترفيه واللهو والتسلية  ، وهي تقوم برسالة اجتماعية نبيلة ، تعكس الواقع المعاصر بمختلف مشاكله ، وتحاول أن تعالج هذه المشاكل بدراما فنية راقية .

إننا نقول فليذكروا لنا القيم الإيجابية التي صنعتها هذه المسلسلات طيلة السنيين الماضية ، ويذكروا لنا المشاكل التي استطاعت حلها عبر هذه المدة الطويلة من الزمن!! ، ويقولوا لنا أمثلة ونماذج مشرقة موجودة على أرض الواقع .

  إن هذه المسلسلات لا تدعو إلى  القيم الإسلامية الأصيلة التي تربي الشباب على الخير وإتباع الحق والالتزام بالفضائل والمثل الأخلاقية ، ولا تبشر بقيم اجتماعية طيبة ، ولا تساعد الشباب في إيجاد حلول لمشاكلهم المعقدة .

قال تعالى في محكم كتابه الكريم : ﴿ وذر الذين اتخذوا دينهم لعبــًا ولهوا ً وغرتهم الحياة الدنيا .

2-    غياب القدوة الصالحة .

من الآثار السلبية التي أوجدتها القنوات الفضائية عبر مسلسلاتها الرمضانية بشعور أو من دون شعور ، الدعوة إلى القدوة السيئة فكريـًا وسلوكيــًا  ، مما جعل الشباب يفقدون النموذج المثالي للقدوة في الحياة اليومية  ، ويسألون أنفسهم منْ هي القدوة الناجحة التي نقتدي بها في حياتينا  ؟ ،لأن طبيعة الشباب لا يستطيعون العيش  من دون قدوة يقلدونها ويتعلمون  منها الصفات الخيرة والنبيلة.

لذلك رأينا شبابنا ( ذكورا ً، وإناثــًا ) قد انبهروا بالغرب في المظهر والسلوك ، لأنهم لم يجدوا الدعوة إلى النموذج الإسلامي الأصيل  فيما يشاهدون  يوميــًا عبر المسلسلات الرمضانية ، ولو رأوا  الدعوة والتركيز على النماذج الإسلامية بشكل جذاب لشعروا بالفخر والقوة ، وحاولوا أن يبدعوا في حياتهم اليومية ، ويتغلبوا على جميع التحديات التي  تواجههم، ويقوموا بدورهم كما ينبغي اتجاه مجتمعهم  .

3-    تراجع القيم الأخلاقية  .

قال الإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام : (( سوء الخلق يوحش القريب ، وينفر البعيد)).

من الأخطاء الكبرى التي ارتكبتها المسلسلات الرمضانية التركيز على الأخلاق السيئة من مشاهد عنيفة ، وكلمات سلبية  ، وصور قاسية  ، وغلظة في التعامل ،  وعدم تسليط الأضواء  على المواقف الإنسانية ، وعدم إبراز المعاني الأخلاقية السامية أثناء عرض المسلسلات للمشاهدين ، مما جعل الأجيال الشابة  تتمرد على القيم الأخلاقية ،  وينظرون للحياة بنظرة غير إيجابية  ،  وتتعمق في قلوبهم مشاعر القسوة والغلظة  ، ولا يهتمون بمكارم الأخلاق   كثيرًا مثل التكافل الاجتماعي ، و احترام الوالدين وتقديرهما ، وحب الخير للناس ، ومساعدة الضعفاء والمحتاجين ، والتضحية من أجل الآخرين .

مع العلم إن عرض هذه المسلسلات في أيام مباركة  تشجع وتساعد على التربية الأخلاقية ، وقلوب الشباب تقبل كل كلمة رقيقة ، وكل عمل طيب ، وكل موقف نبيل ، لكن المسلسلات الرمضانية لم تستثمر الأجواء الطيبة  في تعزيز وترسيخ القيم الأخلاقية في نفوس وعقول الشباب ، بل العكس هو الصحيح .

إننا عندما نريد أن نستعرض إنجازات قيمة لظاهرة المسلسلات الرمضانية على مدى العقود الزمنية الماضية للمجتمعات العربية والإسلامية ، لا نرى شيئـًا يذكر في جانب معين من جوانب الحياة ، بل نرى الفقر والتخلف والمصائب من سيء إلى أسوأ ، وإن الرسالة الاجتماعية التي تدعـيها المسلسلات الرمضانية أصبحت رسالة شيطانية ، وتحولت إلى أداة من أدوات إبليس الرجيم ، لمحاربة الأجواء الطيبة لشهر الرحمة والبركة  . 

     لقد وثق الشباب في برامج الفضائيات وبالخصوص في المسلسلات الرمضانية وحملوها على الخير ، واعتقدوا إنها ستتكلم عن قضاياهم وهمومهم، وستعالجها بشكل عملي  ، لكنها استخفت بعقول الشباب استخفافــًا عظيمـًا ، بدل أن تساعد الشبيبة على مواجهة مشاكل الحياة زادتها  تعقيد ًا وسوء ًا  .

لقد فشلت المسلسلات الرمضانية فشـلا ً ذريعــًا في التعبير عن طموحات الشباب ، والتخفيف من آلامهم الاجتماعية والاقتصادية ، لذا يجب البحث عن البديل الأفضل الذي ينمي الوازع الديني في قلوب الأجيال الحديثة ، ويزرع في نفوسهم القيم الفاضلة ، ويساعدهم على معالجة أزماتهم الحياتية . لذا علينا أن نفكر كيف نوجد البديل لشبابنا وفتياتنا ، وأن نعمل جميعـًا من علماء ومثقفين ومربين ، ومؤسسات اجتماعية من أسرة ومسجد ومدرسة على صنع وإيجاد البديل الجذاب لأبنائنا على أرض الواقع  ، لأن الشباب لا تنفع معهم كلمات ( يجب، ينبغي  ، لا تشاهدوا، ابتعدوا عن.. ...) ، إنما يريدون البديل القوي والجذاب .

البديل يمكن إيجاده عبر إنشاء مراكز متخصصة في شؤون الشباب ( ذكورا ً ،وإناثــًا ) ، تدرس أوضاعهم الحياتية ، وتتعرف على مفاهيمهم وأفكارهم ، و  تقوم برعايتهم دينيــًا وثقافيــًا وتربويــًا  واجتماعيــًا ، وتحترم وجهات نظرهم ، وتشغل أوقاتهم بالبرامج الجذابة والمفيدة ، وتنمي وعيهم الحياتي ، وتقدم لهم يد العون  في تحقيق رغباتهم ، وتشجعهم على الالتزام بالقيم والمبادئ الدينية .

إن الشباب عندما يجدون المسلسلات الهادفة ينجذبون لها ، كما رأينا في مسلسل ( الإمام علي عليه السلام ، ويوسف الصديق عليه السلام ، وغريب طوس ، والنبراس ، ومريم المقدسة ، وأهل الكهف ) وغيرها من المسلسلات الجيدة في الإخراج والتمثيل ، ولو أن هذه المسلسلات بثتها القنوات العربية المشهورة  في شهر رمضان المبارك  ، لجذبت الشباب بمختلف أعمارهم  في جميع دول العالم ، ولم يلتفتوا إلى المسلسلات الغير هادفة . لكنها الطائفية البغيضة المسيطرة على العقول العربية ، هي التي منعت من  انتشار أمثال هذه المسلسلات في القنوات الفضائية .

الشباب يبحثون عن الاهتمام والتقدير والاحترام  والحوار والمحبة ، لذلك علينا أن نحافظ عليهم ونكون لهم كهفــًا حصينــًا ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :(( أوصيكم بالشبان خيرًا ، فإنهم أرقُ أفئدة ، وأن الله بعثني بشيرًا ونذيرًا ، فحالفني الشبان ، وخالفني الشيوخ )) .