بؤس المناصب

 

  • لستُ أدري لماذا يتضجّر البعض عندما تتم إزاحته من منصبه الوظيفي لأي منصبٍ وظيفي آخر،
  • أو حتى لوظيفية تنفيذية أخرى على الخارطة التنظيمية، وكأن المنصب الذي يشغله بات من أملاكه الخاصة، أو من موروثاته الشرعية ؟ 
  • ثم لماذا يبادر البعض إلى مواساة وتعزية من تم نقله لمنصب آخر سواءً تصاعدياً أو تنازلياً، وكأنه قد فقد أحد أبنائه " لا سمح الله " ؟
  • ونتساءل هنا: أليس الموظف يتبع الوظيفة؟ أم أن الوظيفة هي التي تخضع للموظف؟
  • وأليس التغيير والتبديل والتداول من السنن الكونية؟

والأدهى والأمر أنّ هناك من يتحيّن الفرصة للشماتة بمن تم استبعاده من منصبه أمّا تصفية لحسابات ومواقف سابقة، أو انسجاماً مع المزاج العكر والروح العدائية نحو الآخرين؟
 
هذه الأسئلة وغيرها تفرض نفسها بإحترام وتقدير كبيرين على الواقع المُعاش، والإنسان يرى بعض الممارسات الشاذة التي تترافق مع بعض التغييرات الوظيفية هنا أو هناك؟

وكأن هؤلاء البعض في مأمنٍ من طبيعة ومتطلبات دورة الحياة، أو أنهم قد وقّعوا على صفقة أبدية مع الزمن بأن لا تطالهم أنيابه، ولا تجتاحهم مصائبه، وإنهم خارج دائرة التغيير والتداول والتبديل وكأنهم بهذا المفهوم الخادع قد خُلِقوا خارج إطار الزمن، ولن يخضعوا ما عاشوا إلى جدلية السنن الكونية على الإطلاق!!

إنّ من الطبيعي والمقبول أن يخضع الإنسان لقوانين دورة الحياة كما الكائن العضوي تماماً، إنطلاقاً من نظرية " المماثلة العضوية " والتي تشبِّه المجتمع في دورة مراحل حياته كالكائن العضوي، ابتداءً من " الميلاد ـ فالطفولة ـ فالمراهقة ـ فالرجولة ـ فالكهولة ـ فالشيخوخة ـ فالممات ـ فالبعث " ، وكذلك الحياة الوظيفية فإنها لا تخرج عن هذا المسار في مسألة النمو والتطور، وإنّ كل من يتمرّد على هذا المفهوم، سيجد نفسه عاجزاً مخذولاً أمام سلطة الزمن، وإرهاصات دورة الحياة.

من الخطأ الفادح جداً أن يتمرّد الإنسان على السنن الكونية، لأنه لن يجني سوى الهمَّ والكدر والإحساس بعدم الأمان والطمأنينة، كما أنه حتى وإن كان يعتقد أنه قد تم التجني عليه في إبعاده من منصبه، فإنه لا يجب على أن يفقد الإعتقاد في الغيب لأنه جزء لا يتجزأ من الإيمان بالقضاء والقدر،  حتى وإن أحتُمِلت " مظلوميته " لأنّ الله سبحانه وتعالى كفيلٌ بعباده الصابرين.

 إنّ دوام الحال من المُحال، ولو دامت لغيرك ما وصلت إليك، من هنا يجب عليك أن تثق في إرادة الباري عزّ وجل، وأن تؤمن في ذاتك، وتنقِّب عن قدراتك الكامنة التي أودعها العلي العظيم في أعماقك.

يلزمك التنبُّه لكل المتعاطفين معك، أشكرهم ولكن لا تتفاعل مع مشاعرهم الجارفة، كما يلزمك في المقابل أن تستوعب الشامتين ورعاع الناس دون أن تمنحهم فرصة التسلل إلى أعماقك وتكدير صفوك، وتحطيم نسيجك العاطفي وانسجامك مع ذاتك، وإيمانك بقيادتك، أو فقدانك لمبدأ العدالة الإنسانية من خلال نسف كل المواقف الإيجابية السابقة، فقط لأنه قد تمت ازاحتك من منصبك.   

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 1
1
فائق المرهون
30 / 1 / 2014م - 12:18 ص
عودة قوية ، بمقال متماسك و متوازن
موضوع ثري و واقعي ، لغة تجمع بين السهولة و العمق ، طرح شعوري جميل بحالة متكررة في المجتمع .
هذا هو ابراهيم الشيخ بلا ريب متميز كعادته ، و فارس في البيداء .
عمر مديد و نجاح أرحب .
إستشاري سلوك وتطوير موارد بشرية