الرسول الأعظم المدرسة الأخلاقية الكبرى 1-2

 

 

تعد الأخلاق باباً من أبواب الدعوة إلى الله عز و جل , فقد دخل في الإسلام الكثير بسبب الخلق الرفيع للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله و سلم , و أخلاق المسلمين الأوائل أدت إلى دخول الإسلام الكثير من المدن , و النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم هو المعلم الأكبر للبشرية جميعها في الأخلاق السامية الكريمة , و بخلقه هذا شهد به حتى المشركين من قريش حتى سمي بالصادق الأمين , و هو الذي شهد له القرآن الكريم بعظمة أخلاقه قائلاً في كتابه العزيز : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) و الخلق العظيم هو "الخلق الأكرم في نوع الأخلاق , و هو البالغ أشد الكمال المحمود في طبع الإنسان , فهو أرفع من الخلق الحسن" و هو الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق و هذا ما صرح به النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم قائلاً : (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) و في أخرى : (إنما بعثت بمحاسن الأخلاق) , و هذا يدل على إن الهدف الأساس من البعثة النبوية هو التحلي بمكارم الأخلاق , مما يعن بان الشريعة الإسلامية ذات أسس أخلاقية تقوم عليها , و بها تنفذ في كل جوانبها الإيمانية و التعبدية و التعاملية , فلا يزكى إيمان و لا عبادة و لا عمل ما لم يكن ذو صبغة أخلاقية فاضلة . 

و قبل الحديث عن خلق الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم , لابد لنا من مقدمة تمهيدية في معرفة الأخلاق و أهميتها .

تعرف الأخلاق بأنها : حال للنفس داعية إلى أفعالها من غير فكر و لا رواية , و هو ما يكون طبيعياً من أصل مزاج الإنسان .

و أما أهمية الأخلاق و قيمتها : فأن قسماً كبيراً من تعاليم القرآن الكريم و الرسول العظيم صلى الله عليه و آله و سلم و الأئمة المعصومين عليهم السلام , تؤكد على أهمية الأخلاق و تهذيب النفس و تزكيتها , لقد اهتم القرآن الكريم بمكارم الأخلاق و ذم مساؤها في آياته و سوره , حيث بلغت مجموع الآيات التي تحدثت عن الأخلاق صراحة أو أشارة ما يقارب من ربع العدد الإجمالي لآيات القرآن الكريم , كما في قوله تعالى  في تزكية النفس : (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) , أما في السنة النبوية الشريفة , قال رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم : (أثقل ما يوضع في الميزان تقوى الله و الخلق الحسن) , و عن الأئمة جاء عن الإمام الصادق عليه السلام : (أن أجلت في عمرك يومين فاجعل أحدهما لأدبك لتستعين به على يوم موتك) و يروي الإمام الرضا عليه السلام عن جده رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم قوله : (عليكم بمكارم الأخلاق فإن الله عز و جل بعثني بها) , كما لم يغفل علماء الإسلام عن الأبحاث و الدراسات الأخلاقية  , بل اهتموا بها أشد الاهتمام .

و ليست الأخلاق من ذاتيات الإنسان و مقوماته , و إنما هي تكتسب و تتأثر من المناخ الأخلاقي في البيت و المدرسة و المجتمع , فإن كانت صالحة و مستقيمة في سلوكها و تهذيبها فإنها تغرس في أعماق الإنسان الأخلاق الفاضلة و الصفات الكريمة , و العكس تماماً إذا كانت البيئة منحرفة و شاذة في سلوكها , و لأهمية ذلك و ضع الإسلام برامج لتهذيب الأخلاق , و اعتبر النبي صلى الله عليه و آله و سلم الأخلاق من أهم القيم التي تبنتها رسالته الخاتمة و الخالدة , فقد أشاد بكل فضيلة يسموا بها الإنسان , و حذر من كل نزعة فاسدة تفسد المجتمع و تؤدي إلى انهيار الأخلاق .

و حديثنا عن أخلاق النبي الأعظم صلى الله عليه و آله و سلم له جانبان , الجانب الأول : ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم من الأحاديث التي حث فيها على التحلي بمكارم الأخلاق , و الأحاديث التي حذر فيها من الأخلاق السيئة , و الجانب الثاني : نبذة مقتطفة من مكارم أخلاقه صلى الله عليه و آله و سلم .

 أولاً :مكارم الأخلاق في كلام رسول الله :
1- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم) , أن الأخلاق هي التي تشيع المحبة و المودة بين الناس , و هي أكثر تأثيراً , و أعظم أثراً من بذل المال , فأن أسمى الناس و أعظمهم هم المتصفين بالأخلاق الكريمة الذين يألفهم الناس .
2- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن صاحب الخلق الحسن له أجر الصائم القائم) .
3- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (عليكم بحسن الخلق فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة) , أن الله تعالى أعد الأجر الجزيل لمن أتصف بحسن الأخلاق فله أجر الصائم القائم في عبادة الله تعالى , و إن الله اعد له الفردوس الأعلى لأخلاقه الكريمة , فصاحب الخلق الحسن أقرب إلى الخير و الجنة , لأن صاحبها لن يكذب , و إذا كان المؤمن لا يكذب لن يغتاب ... و هكذا فأن خلقه الكريمة تمنعه عن كل ما يغضب الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه و آله و سلم .
4- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن الله يحب مكارم الأخلاق و يبغض سفاسفها) .
5- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن أحبكم إلي و أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) .
6- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة و شرف المنازل , و إنه لضعيف العبادة) .
7- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن حسن الخلق ليذيب الخطيئة كما تذيب الشمس الجليد) .

هذه بعض الأحاديث التي حث النبي صلى الله عليه و آله و سلم أمته على التحلي بالأخلاق الكريمة , و الصفات الفاضلة ليكونوا قدوة لأمم العالم و شعوب الأرض .

 ثانياً : مساوئ الأخلاق في كلام رسول الله :

يعرف سوء الخلق بأنه : هو التضجر و انقباض الوجه و سوء الكلام , و منه أيضاً الغضب .

حذر النبي صلى الله عليه و آله و سلم المسلمين من الأخلاق السيئة التي تقطع الصلة بين المسلمين , و تشيع الكراهية و العداء فيما بينهم , و هذه نماذج منها :

1- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة) فقيل له : كيف ذاك يا رسول الله ؟
قال : (لأنه إذا انساب من ذنب وقع في ذنب) , إن الأخلاق السيئة تجر الإنسان الى اقتراف الذنوب , حتى تورده المهالك و العياذ بالله .
2- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إياكم و سوء الخلق , فأن سوء الخلق في النار) إن سوء الخلق يردي صاحبه في المهالك و يلقيه في شر عظيم و يورده النار .
3- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن الخلق السيئ يفسد العمل كما يفسد الخل العسل) .
4- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن الله تعالى يبغض المعبس في وجوه أخوانه) إن العبس في وجوه الأخوان من الصفات الذميمة التي تبعد بين المسلمين , و تشيع الكراهية و البغضاء فيما بينهم .
5- قال صلى الله عليه و آله و سلم : (إن العبد ليبلغ من سوء خلقه أسفل درك جهنم) .

هذه نماذج يسيرة من الأخبار التي وردت عن النبي صلى الله عليه و آله و سلم في ذم الأخلاق السيئة .

وبهذا ننتهي من القسم الأول من هذا المقال على أمل اللقاء بكم في القسم الثاني قريباً إنشاء الله تعالى .

1. أخلاق النبي و أهل بيته , العلامة المحقق الشيخ باقر شريف القرشي .
2. من مكارم الأخلاق , العلامة الشيخ علاء الدين الطوسي .
3. مقدمة في علم الأخلاق , آية الله العلامة السيد كمال الحيدري .
4. جامع السعادات , العلامة الشيخ المولى محمد مهدي النراقي .