لنحمي أطفالنا من الاعتداء الجنسي

 

 

تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا مقطعا لرجل وهو يعتدي على طفلة ويلمس مناطق حساسة من جسدها فهذا ليس الحدث الأول ولن يكون الأخير، فهنالك عددٌ لا يحصى من الاعتداءات الجنسية التي تبقى مستترة وفي طي الكتمان. وغالبًا لا يكون المعتدون من الغرباء الذين يختارون ضحاياهم بشكل عشوائي، فقد تبين أن ثلاثة أرباع هذه الانتهاكات تحدث في محيط المعارف أو دائرة الأقارب.

فالمقصود بالاعتداء الجنسي على الأطفال استغلالهم لإشباع رغبات البالغين الجنسية.

فأشكال الاعتداء الجنسي متنوعة وتمتد من المحاولات المستترة للمس الطفل لأغراض جنسية لتصل إلى الاستغلال الجنسي المباشر بدرجات مختلفة ولفترات متفاوتة.

فهناك حالات يُجبر الأطفال فيها على الظهور عُراة، أو على تصويرهم وهم عُراة، أو يُجبرون على تحمل النظرات الشهوانية والإشارات التي تحمل معاني مبطنة، أو يتم لمسهم وتفحصهم، ويجري إكراههم على رؤية صور إباحية، ومطالبتهم بإشباع رغبات البالغين الجنسية بالفم أو اليد.

هذه الأشكال تمتد إلى الاغتصاب وممارسة الجنس معهم. ومعظم المعتدين يكونون من الرجال أو المراهقين من المحيط القريب.

حيث يكون المعتدي صديقًا للعائلة، أو أحد الجيران، أو معلماً، وأحيانًا يكون زوج الوالدة، أو الأخ الأكبر أو حتى الأب نفسه.

وهناك اعتداءات جنسية تقوم بها نساء لكن غالبًا ما يصعب تحديدها بوضوح لأن تعامل النساء مع الأطفال عامة يتسم بالقرب الجسدي.

ان الاعتداءات الجنسية تحدث في كل المجتمعات المحافظة والغير محافظة. ويتصف المعتدي عادة بأنه خدومًا ومحبوبًا، وليس مخيفًا، وغير لافتٍ للأنظار.

فيهيئ لاعتداءاته الجنسية لتبدو في أغلب الأحيان كمواقف «بريئة» في اللعب، فيحبها الطفل وتعجبه في البداية.

إلا إن المداعبات والملاطفات تتخذ طابعًا آخر بشكلٍ غير ملحوظ، ولا يدرك الطفل طبيعتها الجنسية إلا بعدما يكون في وسط الحدث.

حتى وإن كانت الحدود بين اللمسات اللطيفة والاعتداءات الجنسية تبدو متداخلة أحيانًا والحدود بينهما رفيعة، إلا أن الاعتداء الجنسي على الأطفال لا يحصل عن طريق الخطأ! بل يتم غالبًا عن قصد.

وهنا يؤكد المختصون بأن ردة الفعل الحازمة من قِبَلِ الطفل في المرة الأولى قد يدفع المعتدي للتراجع عن فعلته، لكن ذلك يتطلب في الطفل ثقةً كبيرةً بالنفس وجرأة، وهذا ما لم تقم به ضحية المقطع للأسف الشديد.

ينبغي علينا أن نؤكد من خلال برامج «الحماية» بأن الطفل يملك قوة تضاهي البالغ تكمن في الصراخ والعض والركل والركض وغيرها وعلى الطفل أن يستخدمها في حالة الاعتداء لا سمح الله.

و من الجيد أن يعرف أطفالكم بالضبط، كيف ينبغي أن يتصرفوا في حالات معيّنة وما هي حقوقهم تجاه البالغين.

من منا لا يرغب بأن يكون طفله مطيعًا داخل العائلة! لكن تذكروا من يكن دائمًا مطيعًا في إطار عائلته، لن يتعلم الدفاع عن حقوقه في الخارج! على سبيل المثال « أنا لا أريد ذلك»، « لا» هنا لا تدل على وقاحة الطفل، أو عدم احترامه للآخرين بل إنها الكلمة الصحيحة إذا ما طلب شخص غريبٌ منه أن يريه طريقًا ما، أو يطلب منه حمل حقيبة أو المساعدة في تصليح شيءٍ ما.

إن الثقة بالنفس هي أفضل أسلوب لحماية الأطفال من الاعتداءات الجنسية فإن الطفل الواثق من نفسه الذي يقول ما يريده ويعبِّر عمَّا لا يريده يكون جاهزاً بشكل جيد للتعامل مع الغرباء ومع من لا يعرفهم من الناس. فهو يعرف ما يحق للراشدين أن يطلبوه منه، فكل ما عززتم ثقة الطفل بنفسه قلَّتْ احتمالية أن يصبح ضحية للاعتداءات.

فالتحصين والحماية من الاعتداء الجنسي ليست عبارة عن برنامج من نقاط محددة، بل هو مرهون بموقف تربوي يعزز من قوة الأطفال لخوض تجارب الحياة فلا يمكنهم أن يتعلّموا الدفاع عن ذواتهم بين ليلة وضحاها، وإنما يتعلّموا ذلك من خلال تعاملهم مع الناس، وتفاهمهم معهم، ويتعرفوا على ما يريده وما لا يريده في إطار عائلتهم.

إن خبرة الأطفال الذاتية بإمكانية الإخبار عن احتياجاتهم والتفاوض بشأنها، هي دروس مهمة للغاية فيما يتعلق بالثقة بالنفس.

فالطفل الذي يتلقى من والديه ما يحتاج من الحب والاهتمام، يمكنه مقاومة الإغراءات وعروض الآخرين المريبة بشكلٍ أفضل سواء أكانوا من الغرباء أو المعارف والأقارب.

أخيرًا إن الأطفال الواثقين من أنفسهم يتسمون بالإصرار وبالتشبث بآرائهم هم أقدر على حماية أنفسهم من الاعتداءات والتحرشات، فلا يكونون لقمة سائغة للوحوش البشرية كتلك الطفلة البريئة التي ظهرت بالمقطع.

متخصصة في حقوق الطفل
مديرة مركز تنمية الطفولة ( سلام )