قبل المفاجأة التالية

 

 

العرب وحدهم في حالة مفاجأة دائمة، لا تأتيهم الأحداث وتفاعلاتها إلا (بغتة فتبهتهم) تداعياتها وآثارها.

والسبب ببساطة أنهم لا يلتفتون للتحليلات والتقارير والدراسات الجادة التي ترصد الواقع كما هو دون رتوش أو عمليات تجميل، وتستشرف المستقبل بناء على المعطيات المتاحة، وليس انطلاقا من أحلام اليقظة.

لا أحد ينتبه لصفارات الإنذار التي يطلقها بعض مستشرفي المستقبل من أفراد أو مؤسسات، إما لأن صوت الصفارات محاصَر ومقموع، أو لأن الأسماع مشغولة بالصخب والضجيج المثار حول قضايا بعضها أكل عليه الدهر وشرب، وأخرى هامشية لا تمت إلى متن حياتها بصلة.

في عام 1967 فاجأهم عدو الأمس وصديق اليوم بحرب لم يحسبوا لها حسابا، ولم يعدوا لها عدة، فدخلوها (بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة.. بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة) كما يقول عمنا الراحل نزار قباني. فكانت ستة أيام حسوما، أي أقل من مدة ريح قوم عاد، شكلت عنوان النكبة والهزيمة.

في عام 1990 فاجأهم صديق الأمس وعدو اليوم بغزو الكويت واحتلالها، بعد أن كانوا يعدونه بطل القادسية وحامي البوابة الشرقية للوطن العربي، وبعد أن فتحوا له خزائنهم في الحرب العراقية الإيرانية، فكانت صدمة المفاجأة بهول صاعقة عاد وثمود.

في عام 2011 فاجأهم (الربيع العربي) الذي لم يكن صديقا أبدا، فسقط من سقط، وحاول الباقون التصدي له ومنعه من الوصول إلى ديارهم، دون أن يستوعبوا درسه جيدا.

اكتفوا ببعض المسكنات الموضعية، فبقي الحال على ما هو عليه بانتظار مفاجأة أخرى.

في عام 2013 فاجأتهم أمريكا والغرب بالاتفاق الأولي مع إيران حول برنامجها النووي، وقد كانوا يظنون أن مثل هذا الاتفاق بعيد جدا، ولم يدُر بخلدهم أن بيوت السياسة تؤتى غالبا من غير أبوابها.

حديثي حول المفاجأة الأخيرة.

معلوم أن ما يعرف بمجموعة 5+1 ،التي تفاوضت مع إيران، تضم اللاعبين الكبار في الساحة الدولية.

وهذا الفريق من اللاعبين لا يليق به أن يخوض مباراة مع فريق لا وزن له.

لذا فإن قبول هذه الدول بالتفاوض مجتمعة مع إيران أمر له حساباته الدقيقة.

فقد حاولت الدول الكبرى منذ العام 2002 الضغط على إيران بشتى الوسائل لإيقاف برنامجها النووي من خلال قرارات مجلس الأمن وتطبيق العقوبات الاقتصادية الصارمة والتلويح باستخدام القوة ضدها، ولكن إيران استمرت في تخصيب اليورانيوم وزيادة قدراتها النووية.

فوفقا لتقدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية فإن مخزون اليورانيوم المخصب إلى درجة ٢٠ % وصل إلى 186,3 كجم أواخر شهر أغسطس 2013 مع العلم أن إنتاج سلاح نووي يحتاج إلى ٢٤٠ كجم.

كما إن لدى إيران 19000 جهازا للطرد المركزي، منها 1000 من الجيل الجديد. وتمتلك أيضا تقنية أخرى هامة تتمثل في مفاعل الأبحاث في الماء الثقيل في "أراك" والذي بإمكانه إنتاج ٩ كجم من البلوتونيوم سنويا، وهو يدخل في صنع أسلحة نووية.

يضاف لذلك ما وصلت إليه من صناعة متقدمة في إنتاج الأسلحة الدفاعية والهجومية بكافة أشكالها، ودخولها في عالم الأبحاث الفضائية وإطلاق الأقمار الصناعية المحلية، مما أثار مخاوف الغرب لأن التكنولوجيا الصاروخية التي تستخدم لإطلاق الأقمار الصناعية يمكن تجهيزها لتتحول إلى صواريخ عابرة للقارات.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنها قامت من أجل حماية اقتصادها بتعزيز احتياطياتها من الذهب خلال السنوات القليلة الماضية لتتجاوز حاليا مستواها قبل خمس سنوات باثنتي عشرة مرة.

وطبقا لتقديرات صندوق النقد الدولي فإن الاحتياطيات الرسمية لإيران التي تشمل العملة الأجنبية والذهب بلغت 106 مليارات دولار إجمالا بنهاية العام 2011
لقد تمكنت إيران من خلال التخطيط وبناء القدرات الذاتية واتباع سياسة النفس الطويل أن تكون رقما صعبا في المعادلات الدولية، مما جعل الدول الكبرى تجلس معها على مائدة المفاوضات.

المسألة لم تكن مفاجأة أو قفزة في الهواء، بل هي نتيجة لعمل مُضنٍ وجاد على مدى عقود، غير أن العرب لم يلتفتوا لذلك لانشغالهم بالحديث عن إيران من زوايا دينية ومذهبية وتاريخية ضيقة، متغافلين عن الحاضر ومعطياته، فرحين بما أوتوا من العلم.

شاعر وأديب